الجمهورية
على هاشم
أين مشروع قانون السلطة القضائية المتوافق عليه؟!
* ما يجري الآن من صدام بين جناحي العدالة والتشريع لايعود بخير لا علي الطرفين ولا علي الدولة ولا المجتمع فضلا علي أنه غير مبرر وغير محسوب العاقبة . وإذا استمر لا قدر الله فسوف يدخل بالجميع نفقًا مظلما لا يصب إلا في صالح الكارهين لهذا الوطن الساعين لهدم استقراره ومن ثم فما كان ينبغي للطرفين ـ البرلمان والقضاء ـ وهما ملاذ الضعفاء وصمام أمن المجتمع أن يخوضا مثل هذا السجال والتلاسن وإصدار بيانات يصر فيها كل طرف علي موقفه أيا ما تكن صحة هذا الموقف.. الجدل الدائر الآن بشأن تعديل المادة 44 من قانون السلطة القضائية لا جدوي منه فهو معركة المنتصر فيها كالمهزوم تماما كلاهما خاسر وكلاهما سوف تهتز صورته في المجتمع إذا جري التصعيد واحتدم الصدام لاقدر الله وفي كل الأحوال فإن الوطن هو الخاسر الأكبر واستقراره بات علي المحك.
ولا أدري لماذا لم يجر التمهيد لموضوع بهذه الخطورة والأهمية بحوارات تجمع شيوخ القضاء وممثلي أنديته المختلفة وهيئة مكتب البرلمان ولجنته التشريعية وممثلي الحكومة في وزارة العدل.. لماذا لا يتم اللجوء للعقل السياسي إذا ما احتدمت المشكلات وتفاقمت الأزمات قبل أن تصل إلي طريق مسدود خسارته محققة للجميع.. البرلمان يصر علي موقفه وممارسة اختصاصاته بالطريقة التي يراها فمقدم المشروع هو النائب أحمد الشريف وكيل اللجنة التشريعية الذي يري أن المادة 44 من قانون السلطة القضائية لاتنص علي آلية محددة لتعيين رئيس محكمة النقض وقد جري العرف منذ زمن بعيد أن يكون التعيين بالأقدمية لكن نحن اليوم بصدد دستور جديد تلزمه آلية قانونية لتعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية وهذا من صميم عمل المشروع ويري أن تعديل تلك المادة يتم بموجبه اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم 3 قضاة بتلك الهيئة علي أن يختار رئيس الجمهورية واحدا منهم بعد أن ترشحهم المجالس الخاصة بتلك الهيئات وكلهم يصلحون -كما يقول الشريف- للتعيين بهذا المنصب ومن ثم فليس في هذا التعديل ما يمس استقلال القضاء الذي هو مصون تماما.
أما القضاة فقد رفضوا مشروع التعديل الذي وافق عليه البرلمان بصفة مبدئية ودفع به إلي مجلس الدولة ورأوا أن تعديل المادة 44 من قانون السلطة القضائية ينطوي علي مخالفة صريحة وصارخة للدستور الذي ينص في مادته الخامسة علي مبدأ الفصل بين السلطات ومن ثم فمشروع القانون يسمح بتغول السلطة التنفيذية علي القضائية وهو ما يرفضه القضاة تمامًا لأنه يمس استقلالهم وتمنوا لو يتدخل الرئيس السيسي لحل تلك الأزمة. . يري القضاة أنه لا سبيل إلا الحوار الذي يمنع المساس باستقرار الوطن وقدم نادي القضاة مذكرة تفصيلية تؤكد أن التعديل المقترح مخالف لكل دساتير العالم التي أكدت استقلال القضاء والفصل بين السلطات معتبرا أن السلطة القضائية ملاذ المجتمع وحامي حقوقه وحرياته العامة دون افتئات علي الحرية الخاصة وأن ما طرحه النواب هو تعديل مادة واحدة فقط في قانون السلطة القضائية بشأن اختيار رؤساء هيئاتها المختلفة وهذا التعديل فضلاً علي أنه مخالف للدستور فهو لا يراعي الأقدمية التي هي ركيزة السلم القضائي سواء فيما يخص تولي المناصب القيادية بالقضاء أو توزيع دوائره فإلغاء قاعدة الأقدمية في اسناد المناصب القضائية العليا يصطدم بثوابت وأعراف قضائية قديمة ومستقرة فالأقدمية مبدأ أو عرف سائد ومعمول به في السلم القضائي ويجري شغل المناصب القضائية وفقا لها وباختيار مجالس القضاء العليا. ثم يصدق رئيس الجمهورية فقط علي هذا الاختيار .
أضاف نادي القضاة إن استقلال القضاء مبدأ تحرص عليه جميع الدول وأي تدخل في شئونه وأعماله من جانب السلطتين التشريعية أو التنفيذية يخل بميزان العدل ودعائم الحكم كما أن كل جهة قضائية أدري بشئونها ولذلك فإن هذا التعديل يصطدم بنصوص الدستور . وإصداره يُعد تدخلا صريحا في أعمال السلطة القضائية ويصطدم بقاعدة دستورية راسخة في كل دساتير العالم وهي وجوب الفصل بين السلطات.. ودخل نادي مجلس الدولة علي خط الأزمة . منوها في بيان مماثل إلي أن التعديل البرلماني المقترح ينطوي علي تغول صارخ ومساس واضح باستقلال القضاء المقرر دستورًا بموجب المادة 94 وتدخل في شئون العدالة من شأنه أن يغرس بذور الخلاف والشقاق بين أعضاء الأسرة القضائية الواحدة ويصرفهم عن التركيز في صميم العدالة ومقتضياتها إذ يغير ذلك المقترح طريقة تعيين رئيس كل جهة قضائية ويسحب هذا الاختصاص من المجلس الأعلي لكل من تلك الهيئات والذي كان يختار القيادات ثم تكون مهمة رئيس الجمهورية هي التصديق فقط علي هذا الاختيار فكل جهة قضائية هي الأقدر علي اختيار رئيسها وأعلم بشئونها بما يكفل صون استقلال القضاء واحترام أعراقه وتقاليده الراسخة . ويحافظ علي مبدأ الفصل بين السلطات.
وكنت أرجو لو ناقش البرلمان جميع مواد قانون السلطة القضائية ولم يقتصر علي مادة واحدة فجرت كل هذا الخلاف وفتحت الباب واسعا لجدل وشقاق لا طاقة لمصر بهما في هذه المرحلة أو في غيرها فتاريخ القضاء في مصر حافل بمواقف ونضالات مشرفة رفض فيها القضاة الخضوع أمام السلطة. وأوضح مثال علي ذلك صمودهم ورفضهم لنهج حكم الإخوان . الذي سمح بحصار الدستورية العليا والاعتداء علي القضاء واستقلاله.. تعالوا نقرأ التاريخ لنعرف قدر القضاء ومكانته وكيف أن الرئيس السيسي يقدر ذلك القضاء ويعلن دومًا احترامه لاستقلاله وأحكامه» فهو من أهم دعائم الحكم المستقر الرشيد . . ولا أظن أننا بحاجة إلي القول إنه لن تقوم لدولة القانون راية إلا بتوفر مقومات أساسية عديدة. في مقدمتها استقلال القضاء وسيادة القانون ضد أي محاولات للتعسف أو التغول علي مقومات هذا الاستقلال وقد آن الأوان لإعادة التوازن لعلاقة السلطة التنفيذية بالقضاء بما يحفظ للأخير استقلاله وهيبته ويحصنه ضد أي محاولة للتدخل أو التأثير في أحكامه ويوفر بيئة مواتية لإحقاق العدالة وتمكينها من النظر الناجز في ملايين القضايا المتراكمة متحررة من القيود والضغوط كافة وأحسب أن هذا ما سوف يكفله قانون السلطة القضائية الذي أعده منذ سنوات نادي القضاة وأرجو أن يتم عرضه علي البرلمان لمناقشته وإقراره وهو المشروع الذي شارك في إعداده صفوة من رجالات القانون وخبراء الدستور في مصر ولا أدري سببا لتلكؤ الحكومات المتعاقبة سواء ما قبل ثورة يناير أو بعدها في الدفع به إلي النور كما لا أدري سببًا لتقاعس أول برلمان منتخب بعد يناير عن مناقشته وإقراره والأدهي أن مجلس الشوري "الإخواني" تباري فجأة لإقرار قانون آخر للسلطة القضائية في عجلة تدعو لريبة مما أثار اعتراضات القضاة وثورتهم ضده والأمل كل الأمل أن يسارع البرلمان لمناقشة واقرار مشروع نادي القضاة الذي جري إعداده أيام المستشار أحمد الزند فكل يوم يمر دون إنجاز هذا القانون تخسر دولة العدالة كثيرا.
الاستقلال الكامل للقضاء يضمن له المصداقية التامة. وينأي به عن التدخل في شئونه أو التعليق علي أحكامه .. والمشروع المقترح من نادي القضاة يعطي للمجلس الأعلي للقضاء كل ما يخص شئون القضاة وتنظيم عملهم. وفي مقدمة ذلك نقل تبعية جهاز التفتيش القضائي والكسب غير المشروع إليه ووضع ضوابط صارمة لإعارة القضاة والتعيينات الجديدة في النيابة وفق معايير موضوعية شفافة وأظن أن الدستور قد عالج كل سقطات وتشوهات القانون الحالي وجعل القضاء سلطة مستقلة تماما.
نرجو لأزمة جناحي العدالة والتشريع أن تنقشع سريعا وأن يتم الدفع بمشروع قانون نادي القضاة للبرلمان وتأجيل إصدار تعديل المادة 44 محل الخلاف حتي تتم مناقشة هذا القانون ككل فهذا أفضل للجميع وأقوم لدولة العدالة واستقلال القضاء وأولوية لا ينبغي لها أن تتأخر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف