الوطن
د. محمود خليل
حرب الصور والفيديوهات
خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للولايات المتحدة الأمريكية كان ثمة تبادل للقصف البصرى ما بين جماعة الإخوان من ناحية وأنصار النظام من ناحية أخرى، قصف كان أساسه مجموعة من الفيديوهات والصور الفوتوغرافية التى حكم الهوى والغرض تفسيرها وقراءة دلالاتها، وامتدت المعركة لتشغل مساحات أخرى، شملت المقارنة بين استقبال الرؤساء الأمريكيين لرؤساء مصر السابقين، بل والمقارنة بين استقبال رؤساء مصر والمسئولين داخل دول أخرى. المسألة حكمتها المكايدة، واهتمت بالشكل أكثر مما اهتمت بالمضمون، فثمة ملفات مهمة عديدة تطرقت إليها الزيارة، سيكون لها مردود مهم على مصر والمنطقة خلال الأيام المقبلة، فقد كان «ترامب» هذه المرة أكثر تحديداً وحسماً فى توضيح موقف الإدارة الجديدة من الأوضاع فى مصر، وكذا مجموعة الأزمات التى تشغل الإقليم، على رأسها الأزمة السورية، والتهديدات الإيرانية، ومحاربة داعش، ترك الأنصار والأغيار هذه المسائل وانشغلوا بعملية القصف البصرى المتبادل، وحرب الصور والفيديوهات، وعكس كلام الطرفين نسياناً لقيمة هذا البلد، وهو أمر أريد أن أتوقف أمامه بعض الشىء.

المنشغلون بالصور وفيديوهات المكايدة التى صاحبت زيارة الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لا تلتفت بالدرجة المطلوبة إلى قيمة هذا البلد «مصر»، تلك القيمة المستقلة عن شخص من يحكمه، مع احترامى لمن حكمه، ومستقلة أيضاً عن نظرة أى مسئول فى أى دولة إليه. مصر دولة راسخة التاريخ، ولعل ورود اسم هذا البلد فى القرآن الكريم والنصوص المقدسة الأخرى دليل على أن البشر عرفوا الدولة فى مصر، واستوعبوا مفهومها من تاريخ هذا البلد. ومن يقرأ كتاب «فجر الضمير» لـ«بريستيد» سيعرف أن الضمير، كمخزون للقيم الأخلاقية، عُرف هنا فى مصر، والضمير ببساطة هو الإنسان، كما أن الإنسان هو الضمير، وبالتالى يصح القول بأن الإنسان نشأ مرتين، كانت أولاهما يوم خلق الله تعالى الخلق، وثانيتهما كانت هنا فوق تراب هذا البلد. مصر أرض الميلاد الثانى للإنسان، وذلك جوهر عظمتها.

هذا البلد أكبر من شخص من يحكمه، واحترام حاكمه جزء من احترام تاريخه وجغرافيته. تلك هى المعادلة الواجب على الجميع تفهمها. وثمة درس يجب أن يسمعه الإخوان إن كان لدى أفرادها آذان للسمع، أى رئيس أمريكى يتعلم فى المدرسة تاريخ هذا البلد، ويفهم معنى ودلالة اسم «مصر»، وهو فى كل الأحوال يعلم كيف يتعامل مع شخص من يمثلها، هذه المسألة أجد أن الإخوان بحاجة إلى فهمها واستيعابها، اختلفوا مع شخص من يحكم كيف شئتم، ولكن تعلموا أن تحبوا هذا البلد، وعوّدوا أنفسكم على احترام شعبه. من يسىء إلى مصر يسىء إلى نفسه، ليت الإخوان يفهمون. وهناك درس ثانٍ يجب على الطرف الآخر استيعابه، هو درس النضج، فالطريقة التى يتعاملون بها مع هذا البلد يعوزها النضج. بطلوا شغل «الزفات البلدى» التى تنشغلون بها فى كل دولة يزورها الرئيس، مصر ليست بحاجة إلى ذلك، وفى غنى عنه، وفروا طاقتكم لما هو أجدى، حب هذا البلد ليس أغنية يرددها من يشعرون أنهم ضمن منظومة أولى الأمر فيه، وليس تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعى تستجلب اللايكات والشير والكومنتات.

مصر أكبر من ذلك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف