د . محمد مورو
الأسئلة الغائبة في مراجعات جبهة محمد كمال
حسنًا فعلت مجموعة محمد كمال حين نشرت علنًا ما يسمى «المراجعات الفكرية» لإخوان جبهة محمد كمال، وهذه أول مراجعات فى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1928 حتى الآن، وهو ما يجعل هذه المراجعات بداية لمراجعات أعمق، وهو اتجاه صحيح ربما يؤدى فى النهاية إلى الاقتناع بأن حل الجماعة هو الطريق الوحيد الصحيح.
وإذا كانت جبهة محمد كمال هى إحدى ثلاث مجموعات انقسمت إليها جماعة الإخوان المسلمين حاليًا، فإن صدور المراجعات عن إحدى هذه المجموعات ــ يمثل نوعًا ما ــ تطورًا فى داخل بنية جماعة الإخوان المسلمين، لأن جبهة محمد كمال هى أقوى هذه المجموعات من الناحية الحركية والعقدية على أرض الواقع.
صحيح أن جبهة محمد كمال لجأت إلى العنف، ورفضت ما يسمى «سلمية جبهة محمود عزت»، وهذا فى حد ذاته كان انتقادًا للجماعة الأم، ولكنه فى الطريق غير الصحيح، لأن العنف لن يؤدى إلا إلى تفكيك المجتمع وزيادة رقعة الصدام بين الإسلاميين والمجتمعات التى يعيشون فيها، ويدخل الإسلاميين فى متاهات وربما يجعلهم عرضة للاستخدام الأجنبى الخطير شكلًا ومضمونًا.
وعلى أى حال، فإن جبهة محمد كمال فيما نشرته من مراجعات حددت عددًا من أنواع الخلل داخل بنية الجماعة، منها أن الجماعة ليس لديها مشروع سياسى لإدارة الدولة، وأنها افتقدت الحنكة السياسية منذ عهد فاروق وحتى الثورة، وأنها وقعت فى فخ الأخونة وتتحمل مسئولية عدم الجاهزية لإدارة الدولة، وهذه فى الحقيقة مجرد معالجة لقشور المشكلة، أو هى نوع من القراءة الهامشية لأسباب الخلل الذى يعترى جماعة الإخوان المسلمين.
ولم تجب جماعة محمد كمال عن الأسئلة الجوهرية حول الخلل فى منهج الجماعة ذاته: هل الجماعة بديل عن الأمة، أم هى خليفة للأمة وقاطرة للتغيير؟، بمعنى أنها من الضرورى أن تجر باقى العربات وليس الانفصال عنها، فتقف باقى العربات وتصطدم هى بما أمامها وتحدث خسائر لنفسها وللمجتمع.
وبمعنى آخر من المفروض أن تكون خميرة للنهضة، أى أن تذوب فى العجين، لا أن تحاول التهام العجين، لأنها لن تستطيع وستنفجر، وطالما ظلت الخميرة بعيدة عن العجين لأنها لا تستطيع بداهة أن تبتلع العجين، فإن هذه الخميرة ستفسد وتتحول إلى وباء وسيبحث العجين عن خميرة أخرى، وبمعنى ثالث لو افترضنا أن مجموعة من خلايا الجسم نشطت ونشطت معها باقى خلايا الجسم، فإن الجسم سيقوى، أما إذا نشطت ولم تنشط معها باقى خلايا الجسم، فإنها ستتحول إلى سرطان والعياذ بالله.
وهكذا، فإن مجرد فكرة الجماعة وحسب تعريف حسن البنا لها بأنها هيئة سياسية، وحقيقة صوفية وشركة اقتصادية وعقيدة سلفية ... إلخ، هذه الفكرة الشمولية تجعل الجماعة كل شىء وباقى المجتمع لا شىء، وبما أنها محددة العدد فإنها ستتحول إلى نواة لتفكيك المجتمع، لأن التغيير بجماعة، مهما كانت قوتها وعددها، هو نوع من إذكاء الحرب الأهلية وشيئا فشيئا تتحول الجماعة إلى ما يشبه الفرقة الدينية.
وكذلك لم تتطرق مجموعة محمد كمال إلى السؤال البدهى: هل الجماعة تدرك أنها الآن فى حالة هزيمة تكنولوجية على الأقل وحضارية فى الواقع، ولذلك فمن المستحيل عمليًا إقامة دولة إسلامية فى هذا الظرف، لأنها ستخضع للمنظومة السياسية والاقتصادية، ومن ثم القيمية للمجتمع الرأسمالى الدولى، وبذلك ستصبح إما فى حالة صدام مع الجميع كما فعل «داعش»، أو تقبل بحلول جزئية وتعبد إله الغرب يومًا، وتعبد الله يومًا، كما فعلت النظم الإسلامية فى أكثر من مكان، وبذلك تسىء إلى الإسلام وتعيد تفسيره وفقًا لهوى القيم المعاصرة.
والأفضل لها طبعًا أن تتوقف عن ممارسة السياسة تمامًا وتعمل على تقوية المجتمع وليس إقامة دولة وأن تتحول إلى جماعة ضمير، تعلن شهادة الحق كاملة كموقف نظرى فقط ولا تكذب ولا تتجمل فتقدم للبشر نوعًا من الدعوة الإسلامية النظيفة التى لا لف ولا دوران فيها.
من الأسئلة الجوهرية أيضًا أن جماعة محمد كمال لم تجب عن السؤال: ما موقف الجماعة من الرأسمالية، ومن المعروف أن الرأسمالية لاتقوم دون بنوك، ولا تقوم البنوك دون ربا، وبالتالى فالرأسمالية حرام شرعًا وهى سبب فساد البشرية والظلم فى العالم، لماذا لم تدع مجموعة محمد كمال إلى العداء للرأسمالية على أساس أن جماعة الإخوان طوال تاريخها فى عداء مع الرسمالية بدعوى أن هناك رأسمالية طيبة وأخرى شريرة، مع أن كل أنواع الرأسماليات شريرة، وفى الإطار نفسه، لماذا تتعاون جماعة الإخوان مع أمريكا وبريطانيا وكل أنواع الاستعمار الغربى، ولماذا تقدم لهم فروض الطاعة وتزور وزارات الخارجية ومجالس النواب فى ذلك الدول، وتتهافت على موائد العرب، أليس فى ذلك مخالفة شرعية فى قضية الولاء والبراء، وكذا فإنها طريقة لكى تستخدم تلك الدول جماعة الإخوان للضبط على أنظمة الحكم فقط لا غير لتحقيق أكبر استفادة من ذلك لصالح السياسة الغربية ثم يتم إلقاء الجماعة فى صفيحة القمامة كما حدث عشرات المرات من قبل من بعد.
على كل حال، هناك الكثير من الأسئلة الجوهرية حول مشروعية وفائدة ظهور جماعة إسلامية فى مجتمع إسلامى، فهل ندعو المسلمين للإسلام مثلًا، أم أننا نرى أن المجتمع كافر أصلًا، ينبغى دعوته من جديد؟، وهو خطأ منهجى فادح، لأن الناس كانوا، ولا يزالون وسيبقون مسلمين، شاء الإخوان ذلك أم أبوا، وأن المجتمعات تحتاج إلى العمل والنشاط والإيجابية أكثر مما تحتاج إلى الحجاب والنقاب واللحية.