المساء
محمد جبريل
ع البحري .. كابتن غزالي
السويس.. زرتها للمرة الاولي في يوليو 1967 بعد مأساة الايام الستة مباشرة. أخذتني البساطة التي يمارس بها أبناء السويس حياتهم. الصمود الذي يرفض الانفعال الوقتي انتصر العدو في إحدي معاركه.. فهل تنتهي الحياة؟
رغم قيود الاضاءة فإن المقاهي امتلأت بروادها. وشوارع الاربعين وزارب والزيتية تصخب بالحياة. المناقشات لا تهدأ والاصابع تحاول أن تتلمس أعمق أعماق المأساة: كيف؟ لماذا؟ ما خطوات أيامنا القادمة؟
النيران المشتعلة في بترول الزيتية دليل ان شعار "المعركة مستمرة" لم يكن وليد انفعال طارئ العدو يواصل القصف والتدمير فهو لم يحقق انتصاراً حاسماً إذن الخنادق التي يقبل الجميع علي إقامتها في النواصي والميادين تشي بالتأهب لخوض معارك أخري قادمة تابعت المعارك عن بعد عبر ثلاث سنوات كاملة السويس الصامدة باقية علي إرادتها. العدو يوجه قذائفه ونيرانه إلي المدينة الآهلة. تبدأ عمليات التهجير حتي لاتضيع الارواح بلا مبرر حقيقي. تظل السويس- رغم كل شيء- علي صمودها حتي الذين غادروا الارض يرفضون تسمية "المهاجرين" إنهم "مهجرون" ولولا إلحاح السلطة في ان يبتعدوا عن مرمي النيران الغادرة لما ترك أحدهم بيته بل إن الجهامة لاترتسم علي وجه السويس وهي تمارس النضال. إنها تقاتل وتدافع وتتكبد الخسائر وتوجه الضربات وتزيح الانقاض وتفقد قطعاً غالية من جسدها المعماري لكنها تغني- ولا تزال- علي السمسمية. وتنشد أغاني أولاد الارض أو تؤلف المسرحيات وتقدمها لمن وجد في ظروف عمله من الابناء حجة يرفض- من أجلها الهجرة.
لم تنته الحياة إذن حدد أبناء السويس- والشعب المصري كله- خطوات الايام المقبلة منذ اليوم الاول للهزيمة السويس التي تعاني آثار التدمير هي مقاطع الصمود في سيمفونية انتصار النضال.. والحياة القيادة الشعبية لتلك السيمفونية كانت للشيخ حافظ سلامة. ظلت المدينة- تحت قيادته الشعبية- مثلاً للمقاومة ضد الاعتداءات الصهيونية. وضد فساد الداخل.
وكانت قيادة حافظ سلامة لمئات الالوف من مواطنيها منذ اللحظات الاولي لثورة 25 يناير هي الانطلاقة الحقيقية لغضبة الشعب المصري ضد نظام مبارك.
كابتن غزالي هو الوجه الاخر من المقاومة جعل من السمسمية وأغنيات النضال والتبشير بالمستقبل روحاً تسري ليس في أبناء السويس فقط. وإنما في الشعب المصري كله من خلال اغنيات المقاومة التي تشارك مع فرقته أولاد الارض في تأليفها وتلحينها وغنائها.
لم ألتق الشيخ حافظ سلامة- أطال الله عمره- ولا عرفته شخصياً. لكن صداقتي للكابتن غزالي توثقت من خلال متابعتي لعروض أولاد الارض. في أقاليم مصر تأخذني بساطته وعفويته وحرصه علي قول ما يري أنه حق حتي لو كان صادماً.
سافرت إلي السويس مؤخراً في مغالبة لظروفي الصحية قال الاصدقاء إن مرض الروائي الجميل محمد الراوي يمنعه من لقاء محبيه وإن كابتن غزالي يعاني وعكة صحية عارضة عدت بأمل عيادة كابتن غزالي في زيارة تالية لكن الموت سبق إلي رمز رائع من رموز النضال والشعر المقاوم في زماننا الصعب. رحمه الله!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف