المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. الدعم.. أمن قومي
هناك كلام كثير يتردد هذه الأيام حول ضرورة إصلاح منظومة الدعم وما تمثله من عبء ثقيل علي ميزانية الدولة.. بعد أن وصلت أرقامها إلي ما يقارب نحو ثلث الميزانية.. وصارت تؤثر بالتالي علي مخصصات التعليم والصحة.. وتؤدي إلي المزيد من عجز الميزانية.
وقد دأبت الحكومة الحالية والحكومات السابقة علي ترديد شعارات مكررة ومملة مثل ترشيد الدعم وتنقية بطاقات التموين واستبعاد غير المستحقين من أجل هدف واحد هو خفض هذا الدعم أو إلغائه تدريجياً.
سهام كثيرة موجهة الآن إلي الدعم باعتباره السبب الرئيسي في المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر.. خاصة بعد أن ارتفعت فاتورته نتيجة تعويم الجنيه وتزايد معدلات الاستيراد.. وذلك علي الرغم من أن هناك سلعاً وخدمات عديدة خرجت من قائمة الدعم أو هي في سبيلها إلي الخروج.. ولم يتبق لنا في الدعم غير رغيف الخبز والزيت والسكر علي البطاقة.. أما دعم الكهرباء والمياه والمحروقات فقد وصل إلي أدني معدلاته.
كثير مما ينشر في الصحف من تصريحات المسئولين وما تحمله برامج "التوك شو" يمهد الأرض ويجهز الأجواء لما هو قادم من قرارات صعبة بشأن الدعم.. واقناع الناس بأن الإلغاء أو التخفيض في صالحهم.. لأنه سيؤدي إلي إصلاح ميزانية الدولة وإصلاح الاقتصاد المتدهور.
لا يتحدثون بنفس الحماس عن فاتورة الفساد التي تلتهم الجانب الأكبر من الميزانية.. ولا عن كلفة دولة المستشارين الذين تتجاوز أجورهم ضعف الحد الأقصي الذي حدده القانون للأجور.. ولا عن الديون وفوائدها التي تتعاظم يوماً بعد يوم حتي صارت رقماً مخيفاً في الميزانية.. ولا عن التهرب الضريبي ودعم المصدرين وتدهور السياحة وانخفاض عوائد قناة السويس.. ولا عن المصانع المغلقة وتسريح العاملين فيها.. ولا عن البطالة التي تدمر الشباب وتحرم البلد من طاقتهم وقدراتهم.
لابد أن نعترف بأن هناك أسباباً عديدة للأزمة الاقتصادية وليس الدعم وحده الذي يلتهم ميزانية الدولة.. بالعكس الدعم صار ضرورة للأمن القومي لمساندة محدودي الدخل الذين يتزايد عددهم باطراد.. وصاروا ضحايا لموجات الإصلاح الاقتصادي المتتالية.. ورفع الدعم عنهم يجعل حياتهم أكثر اضطراباً.
يجب أن تتوافر الشفافية الكافية لكي يكون الحديث عن ترشيد الدعم مقصوداً به ترشيد الدعم فعلاً وليس التمهيد لرفع الدعم والالتفاف علي مخصصاته.. ويجب أن يكون الحديث عن تصويب مسارات الدعم مقصوداً به حمايته فعلاً من أن تأكله الحيتان فيفقد مفعوله ولا يحقق هدفه.
ليس معقولاً مثلاً أن يحصل أصحاب القصور والفيلات الفارهة والطائرات علي البنزين والسولار والكهرباء والغاز والمياه بنفس الأسعار التي يحصل عليها الموظفون والعمال والفلاحون.. هم أنفسهم يقولون ذلك.. لكن القضية هنا كيف نعالج هذا الوضع.. هل يكون الحل برفع أسعار البنزين والكهرباء والغاز والمياه علي الجميع فتشتعل الأسعار في الأسواق والمواصلات وكل مناحي الحياة.. ويئن الناس أكثر وأكثر.. أم توضع ضريبة تصاعدية علي الأغنياء القادرين أصحاب القصور ــ كما طالبوا هم ــ ونعيد النظر في دعم المصدرين ونرفع الحد الأقصي للضريبة لسد عجز الميزانية وتحقيق الحد الأدني من العدالة الاجتماعية؟!
نعم.. ليس معقولاً أن يلتهم الدعم ثلث ميزانية الدولة.. لكن ليس معقولاً أيضا أن تظل الأجور والمرتبات متدنية إلي حد غير محتمل بينما ترتفع معدلات التضخم بسرعة الصاروخ.. وتهبط قيمة الجنيه إلي النصف بين عشية وضحاها.. بحيث لم يعد في مقدور وكيل الوزارة الشريف أن يوفي احتياجاته الأساسية من دخله المشروع ويستغني عن الدعم.
وليس معقولاً أن تستولي الحكومة علي أموال المعاشات والتأمينات.. وتحرم المواطن من معاش كريم بعد رحلة عطاء طويلة.. وتجعله في احتياج دائم لهذا الدعم الهزيل.
هناك أشياء كثيرة في مصر تحتاج إعادة نظر قبل الإقدام علي تقليص الدعم أكثر مما هو عليه الآن.. هناك مظالم كثيرة وأوضاع معكوسة.. ولا يصح أن يكون الحل دائماً علي حساب الغلابة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف