أوقفت التاكسي وشرحت حالي لأترك له فرصة القبول أو الرفض. حيث أحمل علي يدي طعاماً. سأوصله إلي قريبي وسندخل شارعه الضيق وستضطر لانتظاري حتي أصعد سلالم وأسلم الأكل. وأعود ثم أواصل إلي جريدتي.. وقد أبلغته أني قبل ذلك سأمر في طريقي بمعمل تحاليل لاستلم نتيجة. وافق السائق.
جلست في السيارة ممتنة لرائحة "حلة من المحشي وصينية من الرقاق" سيأكلها بالهنا والعافية.. وهي أصناف لن يستطع أبداً صنعها ولا هو ممن يمكنه الخروج من البيت لتناولها. شعرت بالرضا عن نفسي.. وحقيقة سعادتنا في إسعاد إنسان آخر. فما بالك لو عزيز. والأكثر إن كنت تؤدي له ما لا تفعل حتي لنفسك فلا أذكر أني كنت يوماً من محترفي صنع هذا المحشي.. بل إنني أعلنت منذ لحظة زواجي الأولي أني ضد أفراغ مكونات لأضع مكونات أخري وفي النهاية كلها تختلط بين الأسنان وكنت أرتب في صينية مزركشة طبقة من ورق العنب ثم طبقة من الخلطة وأسويها ثم نقطعها بالسكين ونأكلها وكله سيصير داخل الفم.. له نفس الطعم وحين لاحظت استياء الزوج من فعلتي.. صرت استأجر من تقم بها. فالفكرة لا تروق لي مطلقاً. أن أخلي شيئاً لأعيد تعبئته. لذلك فعندما حملت المحشي كنت فخورة بتحدي مشقة من أجل عمل طيب ولقمة هنية.
مفاجأة
طلبت من السائق التوقف أمام المعمل لاستلام التحاليل. وما إن أغلقت باب السيارة واستدرت. جري السائق بأقصي سرعة.. ومعه الطعام الذي شرحت له أنه لرجل مسن ولا يستطيع الحركة.
تذكرت أمي رحمها الله وقولتها الدائمة لا تبكي أبداً علي شيء ضاع إبك فقط علي الإنسان. فنزلت الدموع من عيني علي إنسان استطاع أن يأخذ اللقمة من فم إنسان.. كيف طاوعه قلبه ونفذ عقله وأطاعت أعضاؤه.. هل سيخبر زوجته أنه "حرامي".. هل ستعنفه أو تشاركه البلع وتفرح بغسل الأواني الثمينة. حاولت أن أضع أعذاراً لعلها تبرئ الرجل أو تمنحني السكينة. قد يكون محتاجاً.. فوجدتني مثله محتاجة لأشياء لا يمكنني الوصول إليها.. وكلنا به حاجة.. نتعفف أن نملكها حراماً.
تجاوزت حزني علي السائق حين فكرت في أولاده.. كيف رباهم وعلي أي قيمة سينشئون.. وهل ستجدهم في العمل يتسلقون علي الأكتاف يسرقون إنجازك لينسبوه لأنفسهم لن يحترموا كبيراً لأنهم لم يعرفوا احترام الأب.. وحين يتزوجون ستكون صو رة الزوج الذي يستحل فلوس زوجته وصحتها واستنفاذها لآخر قطرة. فإن حانت له الفرصة انتقل كبعوضة تمتص دم الأخري.. في صورة شبابها أوجمالها.. أي مكسب.
يا طيب
إنه اللا إنسان في شكل إنسان.. ويبقي الأهم من يعلم الوليد أن يبقي علي فطرته الطيبة ويدعمها وينميها داخله من يوضح للصغير أن الحق والخير والجمال ثلاثية الحياة.. من يبصر الخلق بالرحمة.. الإحسان.. العطاء.. العدالة.. النبل هي جوهر الأديان.. و"ما عبد الله بشيء أفضل من جبر الخواطر.. فهو الأعلي ثواباً وقيمة.. فالجبر من أسماء الله الجبار من يجبر كسورنا ويرهب جبارنا. وجاري البحث عمن يعلي قيمة الإنسانية بين البشر.. وحتي يتم العثور عليه ناديت أبنائي والأحفاد وجلست وسطهم اسمعهم أغنية أحبها "إنسان جواك وجوايا".. اللي معاه علي طول مش ليه ولا حتي روحه ملك إيديه.. بيبان في الشدة ويطمن.. إنسان.