المساء
أحمد عمر
تحذيرات وهمية
أيقظني هاتف رئيس التحرير في ذلك الصباح قبل نحو 20 عاماً يكلفني بمتابعة "المصيبة" التي وقعت في محكمة أسيوط.. كان قد اطلع قبلي مبكراً علي صحيفة الأهرام حيث 4 صفحات إعلانية في ذلك اليوم تحمل عنواناً "القائمة الأولي للقضايا المفقودة" هاتفت باشكاتب المحكمة وكان شخصاً لا يختلف علي نزاهته اثنان فقال مكايداً إن في الأيام التالية 10 صفحات مماثلة تتضمن أرقام الدعاوي التي تبين قبل سنوات ضياعها وأنه حينما تسلم مهام منصبه مؤخراً وجد قراراً بالنشر علي نفقة المتسبب أسفرت عنه التحقيقات وأنه اكتشف تواطؤ سابقه في عدم تنفيذ القرار فأخرجه إلي النور من غياهب الادراج وشرع في التنفيذ.. واكتشف ان القضايا المفقودة كانت نحو 30 ألفاً لكنها ليست شيئاً مذكوراً حيث تم الفصل فيها وانقضت الحاجة لأوراقها فلم يترك الإعلان عن فقدها من أثر سوي البلبلة.
بعد دقائق كان صديقي الباشكاتب يعاود الاتصال بي راجياً تدخلي لدي الزملاء لوقف نشر ما كان قد تعاقد عليه من صفحات إعلانية.. وهو ما تفهمه الزملاء بالفعل.. في تلك الدقائق التي تفصل بين المكالمتين كانت الهواتف تنهال علي مكتب رئيس المحكمة بسرعة انتقال أعداد صحيفة الأهرام في الشارع وبين أيدي مسئولي الدولة ووزارة العدل وقد هال الجميع أصداء الكشف عن القضايا المفقودة في محكمة أسيوط فصدرت التعليمات بالتراجع عن النشر.. يقول الحكيم لا تصدق كل ما تسمع ولا تسمع كل ما يقال ولا تقول كل ما تعرف.. ويمكنك الآن ان تضيف ولا تنفذ كل قرار.. شغل عقلك في كل الأحوال.
.. معلوم من طبائع الأجهزة الأمنية المنوط بها جمع المعلومات إنها تصدر علي فترات تمتد لأسابيع أو شهور نشرات تحذيرية للمؤسسات المعنية من مخاطر أمنية قادمة تبدأ بـ "نما إلي علمنا" وتنتهي "بـ" لذا عليكم توخي الحيطة والحذر ثم لا يقع شيء مما تحذروا منه فإذا حدث كان صاحب التحذير قد تبرأ منه.
شيء من هذا القبيل صدر عن مجلس الوزراء قبل أيام بشأن حظر الهواتف المحمولة الذكية في دواوين المحافظات.. فأخذه صديقنا محافظ أسيوط بجدية بينما بعض الزملاء الصحفيين وجدوا في نزع هواتفهم تضييقاً عليهم وتجريداً لهم من أدوات العمل.. وسعي المحافظ ياسر الدسوقي جادا لشرح موقفه وإنهاء الأزمة في حين استغلها الطرف الثالث في إذكاء نار الفتنة.. وكانت حكاية مازالت أصداؤها لم تنته بعد.. ويقال إن المسدس الفارغ يخيف اثنين.. وكذلك التحذيرات الوهمية خاصة حينما تصدر عن الحكومة شخصياً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف