مدبولي عثمان
قبل أن تجف الحقول والحلوق
"يقدر استهلاك مصر من مياه الشرب بـ 3.5 مليار متر مكعب. في حين ما يتم ضخه في الشركات 11 مليار متر مكعب. يتم فقد ما يقرب من 50 إلي 60% منها في الشبكات المتهالكة".. ينبغي علي جميع المصريين حكاما ومحكومين أن يتوقفوا طويلا أمام تلك الاحصائية الخطيرة لخبير المياه الدولي الدكتور أحمد فوزي دياب استاذ المياه بمركز بحوث الصحراء. في ضوء الاحصائيات الرسمية التي تؤكد دخولنا دائرة العجز المائي.. تلك الحقيقة الموجعة أكدها رئيس مصلحة الري والمهندس عماد ميخائيل بأن احتياجات مصر المائية تقدر بنحو 110 مليارات متر مكعب سنويا. وأن مواردها لا تزيد علي 80 مليار متر مكعب منها حصة مصر من مياه نهر النيل ثابتة "حتي الآن" عند 55.5 مليار متر مكعب بينما يتم الاستعانة بالمياه الجوفية ومياه الصرف المعالج لسد جزء من العجز المائي والذي يقدر بـ30 مليار متر مكعب.. وقال في كلمته في ورشة العمل التي نظمتها وزارة الري بالتعاون مع بعثة الاتحاد الاوروبي بالقاهرة الاثنين 17 أكتوبر 2016 ان نصيب الفرد من المياه تقلص من 2500 متر مكعب سنويا عام 1959 إلي 630 متراً حاليا وفي ضوء الزيادة السكانية سيبلغ نصيب الفرد 300 متر مكعب عام 2030 علما بأن حد الفقر المائي العالمي هو 1000 متر مكعب من المياه سنويا للفرد الواحد.
الغريب أن هذا التصريح الخطير للمسئول الأول عن الري في مصر مر بشكل عابر رغم أنه نشر في معظم الصحف ووسائل الإعلام. ولم تتحرك الجهات الرسمية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني لعقد ندوات وورش عمل بحضور الخبراء والمختصين لتدارك الموقف قبل أن يداهمنا الموت عطشاً عندما تجف الحلوق أو الموت جوعا عندما تجف الحقول.. وكالعادة انشغلنا بتوافه الأمور بالخلافات الرياضية والفنية والمناوشات بين ضيوف برامج التوك شو حول إظهار الولاء من عدمه لولي الأمر. وانشغلت مساحات البث الفضائي بالبرامج التي تؤجج الشهوات وتنتهك القيم والحرمات.
ورغم هذه الاحصائيات المخيفة إلا أننا لم نرتدع سواء الأفراد أم الحكومات ونتفنن في إهدار المياه دون أن ندرك أنه خلال سنوات قريبة "ستعادل قطرة الماء قطرة من الدم" عندما تندلع الحروب في منطقتنا المصنفة دوليا ضمن منطقة الفقر المائي المدقع.
فقد أصدر معهد الموارد العالمية دراسة حديثة تظهر أن مخزون المياه في الشرق الأوسط يتدهور خلال الاعوام الـ25 القادمة ليهدد النمو الاقتصادي والأمن القومي وسيؤدي إلي تفاقم الصراعات المسلحة بالمنطقة وتشير دراسة لمؤسسة "برايس ووتر هاوس" الدولية إلي أن النزاع علي مصادر المياه سيندلع بحلول عام 2050 وتحديدا في منطقة الشرق الاوسط وعددت المؤسسة 11 منطقة ستشهد نزاعات حادة علي مصادر المياه.
الدكتور عباس أبوضيف خبير المياه الدولي بجامعة الأزهر يؤكد أن ثقافة استهلاك المصريين للمياه سواء في الزراعة أم الشرب لها دور بارز في تفاقم الأزمة.. حيث ساهمت في إهدار 8 مليارات متر مكعب سنويا وهو رقم كبير جدا مقارنة بحجم حصة مصر الكلية من المياه.
وهنا يجب أن نعيد النظر كأفراد في سلوكياتنا في استهلاك المياه والتوقف عن إهدار مياه الشرب في ري الحدائق ورش الشوارع وغسل السيارات وأن يكون هناك حملة توعية علي المستوي القومي تشارك فيها كل مؤسسات التعليم والإعلام والاحزاب والجميعات الأهلية لنشر ثقافة الترشيد.
وعلي الاجهزة الحكومية أن تتحرك بشكل عاجل بإعادة النظر في طرق الري بنظام الغمر. وأن تتحرك الحكومة سريعا لوقف تسرب المياه خلال شبكة مواسير مياه الشرب وبحسب تصريحات أحمد معوض نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي فإن ما يقرب من 30 ألف متر طولي لشبكات مياه تخطت عمرها الافتراضي الذي يبلغ خمسين عاما دون أن يتم تجديدها.. وأن الشركة تحتاج إلي ما يقرب من 8 مليارات جنيه تقريبا لتجديدها.. وينبغي أن تضع الحكومة تدبير هذا المبلغ ضمن الأولويات لمنع إهدار المياه وحفاظا علي صحة المواطنين لأن المواسير المتهالكة تخلط مياه الشرب بمياه المجاري.
وأصبح لزاما علي الحكومة ومجلس النواب اتخاذ إجراءات صارمة لوقف إهدار المياه علي ترفيه قلة من الاثرياء حيث تشير الاحصائيات إلي أن إجمالي المساحة المعلنة لملاعب الجولف في مصر 40 ألف فدان تستهلك نحو 600 مليون متر مكعب مياه نقية سنويا وأن حمامات السباحة داخل الفيلات والمنتجعات السياحية وثلاثة آلاف بحيرة صناعية بمساحة 159 فدانا تستهلك سنويا أكثر من 1.62 مليار متر مكعب من المياه ولابد من إجراء حقيقي حتي يدفع الاثرياء تكلفة ترفيههم بدلا من أن يتحملها الفقراء.