الوطن
د. محمود خليل
حالة «توهان»
اقرأ معى هذه الأخبار: «التحقيق فى فيديوهات جنسية بين الممرضين والعاملات ببعض مستشفيات الدقهلية.. تلميذ ابتدائى يحاول اغتصاب تلميذة فى حمام المدرسة، وزملاؤها يتدخلون لإنقاذها.. التحقيق مع أستاذة جامعية رقصت فوق سطوح بيتها». يخيل لى أننى لست بحاجة إلى سرد المزيد من الأخبار الشبيهة التى تسمع أو تقرأ عنها هذه الأيام، البعض يقول إن وسائل الإعلام تركز على هذه النوعية من الأخبار والأحداث بهدف «تتويه الجمهور» وشغله عن قضايا أخرى أكثر أهمية، فى حين يرى آخرون أن تناولها ينبه من يهمه الأمر شعبياً وحكومياً إلى حالة التدنى الأخلاقى التى وصلنا إليها، وأصبحت تزحف يومياً من قطاع إلى قطاع، ولم يعد يخلو منها شارع أو بيت أو مستشفى أو مدرسة أو جامعة. تقديرى أن الأمر برمته يعبر عن «حالة توهان» أصبح المجتمع يعيشها، سواء نظرنا إليه من زاوية الإفراط الإعلامى فى التناول، أو حالة الصعود المحسوس فى الحوادث التى يصح أن تدخل موسوعات الغرائب والطرائف.

وسائل الإعلام تائهة، وحالة «التوهان» تضرب أيضاً مساحات وقطاعات متنوعة من المجتمع، النوافذ الإعلامية، إلا قليلاً، أصبحت تؤثر السلامة وتبتعد عن الشأن السياسى، وأصبح بعض الإعلاميين يجدون أنفسهم فى «الكلام الاستهلاكى» الذى يبتعد بالإعلام عن دوره الأبرز فى الرقابة على مؤسسات الدولة، وكانت النتيجة أن تاهت وسائله فى هذه الموضوعات التى تستجلب له بعض الجماهيرية، بسبب شذوذها، وقدرتها على فتح شهية الجمهور للحديث والنميمة، ثم جلد الذات ولعن الجميع! الجمهور هو الآخر «مخبوط على دماغه»، غلاء وعسر حياة، وهم بالليل وانسحاق بالنهار أمام الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار، «الخبطة» التى دوت على رأس الكثيرين أفقدتهم توازنهم وجعلتهم لقمة سائغة فى فم «غول الإحباط»، أما من يقترفون هذه الجرائم فهم فى النهاية أفراد، لكنهم كثر، وما يتناوله الإعلام هو -فى تقديرى- قطرة فى بحر، لأن البيوت والأحياء ومؤسسات الدولة مغلقة على ما هو أكثر، والنفوس قد تكون مغلقة -فى ظنى- على ما هو أكبر!

علينا أن نعترف أن مجتمعنا فى أغلبه يعيش حالة يمكن وصفها بـ«التوهان الأخلاقى» أساسها أن العديد من أفراده «مش قادرين يستحملوا وفى الوقت نفسه مش قادرين يواجهوا»، تلك حالنا باختصار بعد ست سنوات من قيام ثورة 25 يناير، طيلة هذه السنوات ونحن نواجه صدمات عديدة، كان من الطبيعى أن تضربنا بعد ثورة، سكتنا قبلها عقوداً طويلة أمام الفساد والاستبداد، صدمات اقتصادية، وأخرى سياسية، وثالثة اجتماعية، ورابعة أخلاقية، وبدلاً من أن نستوعب الأمر، إذا برؤوسنا تلف وتدور، وفى الوقت الذى يعبر فيه سلوك أغلبنا عن عدم القدرة على تحمل ما أصابنا، فإن هؤلاء لا يجدون فى المواجهة حلاً أو أملاً فى تصحيح أوضاعهم، مثلث الحل للخروج من حالة «التوهة» التى وقع فيها هذا المجتمع، أضلاعه ثلاثة: التحمل، لأن كل الأفراد والأمم تتحمل، والمزيد من الاجتهاد فى التغيير والإصلاح، والأمل فى غد أفضل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف