المصريون
د . محمد مورو
العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة
لا تقلق ولا تحزن ولا تيأس ، فأنت ترفض العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة معاً ، لأنهما شيء واحد أو مراحل في متتالية نماذجية كما يقول عبد الوهاب المسيري مؤلف كتاب العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ، والرجل لأنه بلا حسابات ولم ينتم يوماً إلى جماعة أو حزب أو شلة فتشوه وجدانه وتشوه موضوعيته ، وهو ضد العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة معاً ، مع أن الحركات الإسلامية توافق شيئاً ما على العلمانية الجزئية وتحاول أن تفصلها عن العلمانية الشاملة ما عدا داعش طبعاً .
وفي الحقيقة فإن فهم موضوع العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة مدخل صحيح وهام للمسلم لكي لا يحزن ولا يقلق ولا ييأس .
العلمانية بالنسبة لي وللدكتور عبد الوهاب المسيري هي المرجعية المادية أو اللا مرجعية في ظاهرة ما بعد الحداثة وهي دين الغرب وديدنه وهي ملحدة تنكر وجود الله ، ولا فرق بالنسبة لي بين العلمانية الجزئية أو العلمانية الشاملة بل هي مراحل زمنية ومكانية للعلمانية وهي تقود إلى متتاليات نماذجية تؤدي إلى جعل الإنسان مادة وإنهاء فكرة وجود الله تماماً أو تقود إلى سيولة شاملة حيث لا مرجعية أصلاً بل نسبية مطلقة ، فليس هناك علمانية طيبة وأخرى شريرة أو علمانية بيضاء وآخرى سوداء بل العلمانية هي مرجعية المادة سواء أكانت جزئية أو شاملة أي كافرة وهي التي أنتجت الفاشية والنازية والرأسمالية والشيوعية ، وهي التي أنشأت الامبريالية والغزو الغربي والحروب والمجاعات وتسليح الإنسان وجعله شيئاً مادياً وهي بالضرورة ضد الدين والأخلاق والتراحم ، ضد الأسرة والفرد والإنسان ضد كل ما هو جميل في العالم .
وبديهي أن العلمانية تقود إلى فناء العالم أو تعاسته يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة – دار الشروق القاهرة – 2002 ص 102 " لا يمكن أن يكتب البقاء لمجتمع إنساني إن كان أعضاؤه يعتقدون أنهم يعيشون في عالم لا معنى له " ويرى جلال أمين " أن العلمنة ليست تغريباً وحسب بل هي أمركة بالدرجة الأولى " .
ويرى عبد الوهاب المسيري أن هناك التقاء بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في القبول بالعلمانية الجزئية فإن كل من محمد أحمد خلف الله وحسين أمين ووحيد عبد المجيد وفؤاد زكريا ومحمود أمين العالم ومحمد عابد الجابري يريدون المحافظة على الحيز الإنساني ، حيز الهوية والخصوصية والثوابت والقيم الأخلاقية وهم مع الديمقراطية والعقلانية والعلمانية الجزئية .
يقول عبد الوهاب المسيري ص 122 – المرجع السابق – أن فهمي هويدي يميز بين تيارين علمانيين يسميهما المعتدلين والمتطرفين وهما يقابلان إلى حد ما العلمانيين الشاملين والجزئيين في مصطلحنا ، ويضيف عبد الوهاب المسيري نقلاً عن فهمي هويدي " أن فهمي هويدي يرى ضرورة قبول التيار العلماني المعتدل المتصالح مع الدين ، وهو التيار الذي يتحفظ على تطبيق الشريعة لا لأنه ضدها – بل هو ضدها – ولكن لأن المنتمين إلى هذا التيار يحسبون أن هذا التطبيق قد يهدد قيماً معينة يدافعون عنها مثل الحرية والديمقراطية والمساواة وما إلى ذلك وهو موقف شريف يتعين فهمه واحترامه – والكلام مازال لفهمي هويدي كما نقله عنه عبد الوهاب المسيري ص 123 من كتاب العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ، وعلى الإسلاميين – والكلام لفهمي هويدي – أن يتعاملوا معهم على قاعدة الإعذار أولاً ثم الحوار ثانياً ، لاقتناعهم بأن المشروع الإسلامي لا يهدد تلك القيم التي يدافعون عنها ، فالدعوة إلى التعامل مع المشروع العلماني المعتدل لا تعني القبول به ، ولكنه تعبير عن حرص على توفير حق التعبير والمشاركة لأصحاب الرأي الأخر ، دفاعاً عن مصلحة المجتمع وسعياً إلى إنجاز المشروع الوطني العام الذي هو ملك للأمة بمختلف قواها وتياراتها وليس ملكاً لفصيل دون أخر " .
ويضيف فهمي هويدي نقلاً عن المسيري ص 123 " إننا نذهب إلى أن كل تيار سياسي يحترم عقيدة الأمة ويلتزم بنصوص الدستور المعبرة عن ذلك ، يصبح من حقه أن يكتسب الشرعية وأن يكون شريكاً في الحياة السياسية للمجتمع الإسلامي ينطبق ذلك على مختلف فصائل العلمانيين سؤاء كانوا ليبراليين أو قوميين أو ناصريين أو ماركسيين ، أما أهل التطرف العلماني المخاصمين للدين فلا مكان لهم في إطار الشرعية ، إذ أنهم لا يهددون عقيدة المسلمين وحدهم ولكنهم يهددون الإيمان نفسه إسلامياً كان أم مسيحياً أم يهودياً ، إن الحوار بين فصائل الأمة المختلفة ممكن في إطار التعريفات الجزئية " .
ويعلق الدكتور عبد الوهاب المسيري على ذلك قائلاً " ص 124 " " ولعل الذين قرأوا مقال فهمي هويدي لاحظوا أن مطالبة الإسلاميين بتأكيدهم قبول التعددية التي تشمل التيار العلماني كان موقفاً التقى عليه رأي آخرين من أهل الفقه والنظر وفي مقدمتهم الدكاتره يوسف القرضاوي وأحمد العسال ومحمد سليم العوا وسيف عبد الفتاح وأبو العلا ماضي وعادل حسين .
ويختم الدكتور عبد الوهاب المسيري القول قائلاً " ومما يجدر ذكره أن فهمي هويدي ليس وحيد في موقفه هذا ، بل يمكن القول بأن هذا الرأي هو الرأي الممثل للتيار الإسلامي ويمكن أن نضيف إلى الأسماء التي أوردها الأستاذ فهمي هويدي في مقاله الأسماء التالية : راشد الغنوشي " تونس " بارفيز منظور " باكستان " عزام التميمي " فلسطين " أحمد داوود أوغلوا " تركيا " طه جابر العلواني " العراق " وعبد المجيد أبو سليمان " السعودية " ومجموعة المعهد العالي للفكر الإسلامي وغيرهم عشرات .
وهكذا فإن عبد الوهاب المسيري يرى أن هناك التقاء بين فهمي هويدي ويوسف القرضاوي وسليم العوا وسيف عبد الفتاح والمذكورين السابقين جميعاً مع محمود أمين العالم وفؤاد زكريا ومحمد أحمد خلف وآخرين وهذه مأساة كاملة بالنسبة للإسلام السياسي ، الذي بلع طعم علمنة الإسلام من الداخل أو القبول بما يسمى بالعلمنة الجزئية مع أنه ليست هناك إلا علمانية واحدة ، وهكذا فهمنا لماذا دعمت إنجلترا حسن البنا مثلاً ولماذا دعمت أمريكا أوباما وهيلاري كلينتون ومحمد مرسي وخيرت الشاطر ، ما دام هذا النوع من الإسلام يؤدي إلى تفسير الإسلام تفسيراً علمانياً وعدم احترام الشريعة ، ومن ثم الفصل بين الشريعة والعقيدة وعلمنة الإسلام من الداخل ، أليس هذا أسهل من الغزو العسكري وإرهاق جيوش الغرب في القضاء على الإسلام .
هذا المشروع الإسلامي التغريبي العلماني لا يمت للإسلام بصلة ولعل قول الله تعالى " لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً " .
وهكذا فإن من يقبل بالعلمانية الجزئية ينطبق عليه هذا الوصف وسوف ينال الذل في الدنيا ضعف الحياة والآخرة " ضعف الممات " ثم لا يجد له نصيراً حيث يأتي ترامب بدل أوباما وكلينتون فيذهب الإسلاميون للاستنجاد بأمريكا لتنصرهم ، فلا تستمع لهم وتلقيهم في مذبلة التاريخ .
وإذا حللنا مضمون كلام فهمي هويدي نجد أنه يقبل بالتعاون مع العلمانية الجزئية ، وهو يعتبر نفسه بديلاً لأمة الإسلام ، ومن ثم فهو يعطي جزء من هذه الأمة للعلمانيين ولا بأس في ذلك ، ثم يعتبر الوطن هو المرجعية وليس الله ، فالمشروع الوطني هو الغاية وليس الشهادة على الناس بالحق كما هو واجب المسلم وهكذا فإن الإسلامي يسيء إلى الإسلام ، ولم يبق غير المسلم لنخاطبه بالتمسك بالله ومحمد والإسلام والعقيدة والشريعة ويرفض كل أنواع العلمانية وتجلياتها من الديمقراطية والرأسمالية والشيوعية والقومية وما بعد التاريخ والمرجعية المادية وما بعد الحداثة واللا مرجعية والتمحور حول الأنثى والصهيونية والفاشية والنازية ... الخ وحتى لو كان الإنسان هذا فرداً فهذا يكفيه فالله يحاسب البشر فرداً فرداً وليس جماعات وقطعاناً .
ولعل أخطر ما ارتكبه الإسلاميون في حق الإسلام أنهم تصوروا أنهم بديل للأمة وأنهم هم الإسلام ، وبدلاً من أن يكونوا خميرة تذوب في العجين فيصلح للخبيز ، تصوروا أن عليهم أن يلتهموا العجين وهو أمر مستحيل طبعاً ، وهكذا كان الاضطراب الحادث في المجتمعات الإسلامية بسبب الإسلاميين بل إنهم تحولوا إلى ما يشبه شعب الله المختار ، وبدلاً من أن يعبدوا الله جعلوه الله يحل في جماعتهم فيعبدون الجماعة أو التنظيم بدلاً من أن يعبدوا الله ، فمن يخالفهم كافر يحق لهم قتله أو سبه بأقبح الصفات ، ومن لا يؤيدهم فهو خارج الملة بصورة من الصور حتى ولو كانت استنباطاً وأصبح المسلم داخل الجماعة غير المسلم خارج الجماعة " وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء " وأصبحت الملائكة تنزل رابعة العدوية ومحمد مرسي يصلي إماماً بسيدنا رسول الله ، بل ووصل الأمر بأحدهم أن يقول على منصة رابعة التي يسيطر عليها الإخوان وهو الشيخ فخري السعيد أن من لا يؤمن بعودة محمد مرسي فقد كفر بالله ورسوله والإسلام وهكذا أضاف شرطاً إلى شروط الإسلام التي يعرفها المسلم وهي الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين والقضاء والقدر ... .
وإذا كان عبد الوهاب المسيري يرى أن الله حل في الصهيونية فأصبحت هي المرجعية وهي الله نفسه وهي المطلق والنسبي معاً وما بداخلها هو الصحيح حتى لو كان قتلاً وتقتيلاً وتشريداً للفلسطينيين ، فإن الأمر قريب من هذا مع الجماعات التي تعتبر نفسها صحيحة على طول الخط ، وما يقوله قادتها هو الصواب وأي رأي تراه هو الدين بعينه ، إنها نفس الفكر الحلولية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف