منذ البداية أعلن أني لا أصدق أن سوريا استخدمت الأسلحة الكيماوية في خان شيخون، وتعالوا نحتكم للعقل. الجيش السوري يتقدم ويحرز الانتصار تلو الآخر علي الإرهابيين، وترامب يعلن أن مشكلته مع تنظيم داعش وليست مع بشار الأسد، بالإضافة لهذا فهناك لجنة دولية قامت من قبل بإخلاء سوريا من أسلحتها الكيماوية، كما أن تجربة سوريا حين اتهمت من قبل باستخدام الغاز كانت قاسية بحيث لا يمكن ألا تتعلم منها. فكيف تلجأ سوريا بعد هذا كله لاستخدام الأسلحة الكيماوية وتسعي للخسارة بنفسها ؟ ما المبرر ؟ تعالوا نستخدم عقولنا للبحث عن صاحب المصلحة في استخدام الأسلحة الكيماوية. إن هناك احتمالات لأكثر من سيناريو بديل،
السيناريو الأول : إن جماعات المعارضة المسلحة، والدول الإقليمية المؤيدة لها، هم المسئولون عن الضربة الكيميائية، وقد ساعدت هذه الدول علي نقل الغازات ودفع ثمنها، والتدريب علي استخدامها، لأن هذه الضربة تحقق لهم مصالح عديدة، أهمها تشويه صورة بشار الأسد وإقناع العالم بأن بشاراً يجب ألا يكون له مكان في التسوية القادمة.
السيناريو الثاني : إن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسئولة عن هذه الضربة، وقد خططت وقدمت التسهيلات اللازمة للتنظيمات الإسلامية المحلية للتنفيذ، ثم استغلت الحدث لتحقيق عدة أهداف، أهمها :
١ - تشويه سمعة السلاح الروسي، إذ إن سوريا لديها منظومة صواريخ دفاعية روسية متقدمة ( إس 400 ) تقول روسيا عنها إنها قادرة علي تدمير جميع أنواع الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة التي تحلق بمحاذاة سطح الأرض، والطائرات صغيرة الحجم دون طيار، وحتي الرؤوس المدمرة للصواريخ الباليستية. وجدير بالذكر أن هذا يترتب عليه أن تحجم الدول عن شراء هذه المنظومة ومما يسبب ضرراً كبيراً للاقتصاد الروسي.
٢ - عدم انفراد روسيا بحل للصراع في سوريا.
٣ - تحطيم معنويات الجيش السوري.
٤ - تحطيم معنويات العرب، حين يرون أن بلداً عربياً يضرب بهذه الطريقة المهينة، دون أن يجرؤ أحد علي الرد، وكأن العرب مجرد كائنات لا قيمة لها.
٥ - إيجاد المبرر لدعم المعارضة السورية، ولتراجع ترامب عن موقفه المعلن تجاه بشار الأسد.
٦ - تقديم الدعم المعنوي للمعارضة المسلحة، ودعم مفاوضي المعارضة خلال مفاوضات جنيف وغيرها.
٧- إرسال رسالة غير مباشرة لكوريا الشمالية بأن الولايات المتحدة قادرة علي توجيه الضربات لها حين تقرر ذلك.
٨ - قسمة الصف العربي بين مؤيد للضربة ومعارض لها.
قد يري بعض الكتاب أن هذا السيناريو فيه خيال واسع، لكني أؤكد أنه الأكثر احتمالاً، وأقول بمنتهي الصراحة إن الولايات المتحدة تحاول دائماً أن تغطي تصرفاتها العدوانية بأسباب أخلاقية، ولا مانع لديها من الاعتذار عن الخطأ بعد ذلك، ومن لا يصدق فعليه الرجوع إلي سيناريو ضرب العراق الذي زعمت أمريكا خلاله أن حربها تستهدف تحقيق الأمان لجيران العراق من تهديد صدام لهم بقنابله النووية، وبعد الغزو وحل الدولة ونشر الفوضي أعلنت أنها لم تجد أسلحة نووية. لذلك فاتهام سوريا باستخدام الغاز - في رأيي - ليس سوي اصطناع غطاء أخلاقي لتحقيق الأهداف السابقة.
إن ضرب سوريا يؤكد أن الولايات المتحدة ليست دولة يتحكم فيها فرد، حتي لو كان هذا الفرد هو رئيس الجمهورية ؛ وأن المؤسسات التي تضع الاستراتيجيات في النهاية يمكنها أن تجبر الرئيس علي الانصياع لها من أجل تحقيق أهدافها.
وأخيراً، فما أراه من تأييد بعض الدول العربية لضرب سوريا بالصواريخ الأمريكية يذكرني بما حدث في الأندلس قبل سقوطه، حيث كانت الدويلات الإسلامية تستعين بالفرنجة لضرب بعضها، حتي انتهي الأمر بطردهم جميعاً.