هل كانت حكمة المولي سبحانه وتعالي في أن يعيش رسول الله صلي الله عليه وسلم يتيماً أباً وأماً تتمثل في أن يكون نموذجاً لأولئك الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم يواسوا أنفسهم به ويحيمهم من الشعور بالغبن والحرمان..؟
أم أن الله سبحانه وتعالي شاءت قدرته أن يكون المربي والمؤدب لرسوله صلي الله عليه وسلم فلم يكن هناك حاجة إلي أبويه ورسولنا الكريم يخبرنا بتلك الحقيقة في قوله صلي الله عليه وسلم: أدبني ربي فأحسن تأديبي" وأكد القرآن علي هذه الحقيقة بقوله تعالي: "وإنك لعلي خلق عظيم" بل بعثه الله ليقوم بهذه المهمة التربوية حيث قال صلي الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
والمتأمل لا يجد الرسول صلوات الله وسلامه عليه وحده من الرسل في هذه الحالة فقد تربي موسي عليه السلام وهو من أهل العزم من الرسل بعيداً عن أبويه في بيت فرعون بل إن القرآن يشير إلي عناية الله بموسي فيقول مخاطباً موسي: "واصطنعتك لنفسي ولتصنع علي عيني".
والأمر لا يتوقف عند هذا وإنما نجد سيدنا يوسف يواجه الموقف نفسه حيث يتربي بعيداً عن أبويه محروماً من عطفهما.. يعامل كعبد مباع فتلحقه رعاية الله سبحانه وتعالي فيرق له قلب سيده ملتفتاً عن معاملته كعبد إلي معاملته كابن وهو ما يبدو من قوله تعالي: "وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولداً".
إذن فاليتيم ليس خطراً في المجتمعات لكن الخطر ألا تنتبه المجتمعات إلي حق هذا اليتيم المقرر في كتاب الله بتفاصيل واضحة في الرعاية التربوية والنفسية والحماية المالية بحيث لا تضيع أمواله الموروثة في طفولته يقول تعالي: "وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليه أموالهم فأشهدوا عليهم وكفي بالله حسيباً".
والمتأمل في الآية يدرك ما بها من تفاصيل تؤكد مدي خطر العبث بأموال اليتامي.
إذن فإن ما يحدث في بعض بيوت الأيتام والجمعيات التي تدعي رعايتها وتتكسب بها وتهين طفولة اليتيم وتستحل أموال المتبرعين لهم.. هذا الذي يحدث من شأنه أن يكون مردوده غضباً من الله الذي ختم الآية بقوله "وكفي بالله حسيبا" هذا الغضب قد يطول المجتمع كله مصداقاً لقوله تعالي "وأتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب.
وعليه فإن مراقبة دور الأيتام حماية لهم مسئولية المجتمع كله حتي لا ينال المجتمع ما ينال مهين اليتيم الذي وصفه الله بأنه مكذب بالدين في قوله تعالي: "ارأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم".