الوطن
د. محمود خليل
«حرج» أم «تحول» فى الموقف من«بشار»؟
«ترامب» يحكمه مشروع محدد فى ذهنه فيما يخص المنطقة، وليس «كيمياء» ألفت بين قلبه وقلوب بعض الزعماء العرب!. هذا ما تقوله الضربة الجوية الأخيرة التى استهدفت مطار الشعيرات السورى الذى تقول الإدارة الأمريكية إنه كان منصة انطلاق للضربة التى وجهها نظام «بشار» إلى «خان شيخون». المملكة العربية السعودية وكذلك قطر أعربتا عن ترحيبهما بالقصف الأمريكى فور وقوعه، فى حين تلكأت مصر فى تحديد موقفها من الضربة. المسئولون لدينا معذورون. فكما هو معلوم تدعم السلطة فى مصر نظام بشار الأسد بأشكال وصور متنوعة، وهو دعم بدا مبرراً فى ظل أن الخصم الأبرز لـ«بشار سوريا» هو الجماعات الإسلامية المتشددة، وترى مصر أن دعم موقف «بشار» جزء من سياستها فى الحرب على الإرهاب فى المنطقة. خصم «بشار» هو ببساطة خصم السلطة فى مصر. فى حسابات السياسة من البداهة أن يكون عدو عدوك صديقك. تأسيساً على ذلك يمكننا أن نفهم حالة الحرج التى أصابت المسئولين فى مصر جراء الضربة الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات.

الحرج المصرى بدأ قبل ساعات من الضربة الأمريكية، بدا ذلك واضحاً فى البيان الذى صدر عن الخارجية المصرية، وأعربت فيه مصر عن شجبها لحالة الاستقطاب داخل مجلس الأمن بشأن التعامل مع تداعيات واقعة قصف «خان شيخون». البيان فى مجمله عبر عن تحفظ مصرى على النداءات والأصوات التى بدأت تعلو مطالبة بمعاقبة بشار الأسد على قصف «خان شيخون»، ما يعنى أن مصر كانت تدعو إلى التمهل فى ذلك، لكن «ترامب» لم ينتظر، فلم تمض سوى ساعات على البيان الرسمى المصرى حتى أعلن عن الضربة الأمريكية. السؤال: ما موقف مصر من هذه الضربة التى وجهها الصديق الأمريكى إلى الصديق السورى؟!. سفير مصر فى الأمم المتحدة أجاب عن هذا السؤال خلال الجلسة الطارئة التى عقدها مجلس الأمن -بناءً على دعوة روسية بوليفية- لمناقشة الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات. فلو تأملتها جيداً ستجد أنها حملت إدانة صريحة لمذبحة «خان شيخون»، ولم يرد فى كلمته أى ذكر للضربة الصاروخية الأمريكية، وركز فقط على دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا للتنسيق فيما بينهما لحل المشكلة. ماذا يمكن أن نفهم من ذلك؟. ربما كان هناك تحول فى الموقف المصرى من الملف السورى، عقب زيارة الرئيس للولايات المتحدة، تحول يؤكده ذلك التحسن الملحوظ فى العلاقات المصرية السعودية خلال الأيام الأخيرة.

بإمكاننا القول بأن سوريا أصبحت مرتعاً لكل اللاعبين السياسيين، وأستطيع القول بأن الزعماء العرب والمسلمين جميعهم ساهموا فى تدمير الشعب السورى، سواء من المؤيدين لبشار واستمراره، أو المطالبين والساعين إلى رحيله. فقد سبق ورضى المؤيدون لاستمراره بالتدخل العسكرى الروسى فى سوريا، وطربوا للضربات الجوية والصاروخية التى وجهتها روسيا إلى معارضى «بشار»، وتغنوا بها، وبالتالى فموقفهم اليوم من التدخل العسكرى الأمريكى غير مقنع، ومن يهللون اليوم للتدخل الأمريكى ينسون أنهم نددوا بالأمس بالتدخل الروسى، وموقفهم غير مبرر أيضاً. فى كل الأحوال يدفع الشعب السورى الثمن، ثمن السياسات التى لا تعترف بحق الشعوب فى تقرير مصيرها، وثمن القرارات التى لا تأخذ فى حساباتها سوى حسابات كراسى الحكم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف