طه عبد العليم
روسيا وانقلاب ترامب بقصف سوريا
فى انقلاب مفاجىء على موقفه المعلن بأن تصفية الارهاب وليس اسقاط النظام هو ما تستهدفه ادارته فى سوريا، أمر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتوجيه الضربة الصاروخية إلى مطار الشعيرات العسكرى السورى؛ بزعم أن هجمة كيمياوية تم شنها منه على بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب. ثم أعلن وزير الخارجية الأمريكى عن تحول مفاجئ فى سياسة إدارة ترامب إزاء سوريا؛ مؤكدا أنه لا يجب أن يكون هناك دور للرئيس بشار الأسد فى مستقبل سوريا. وصرح ستيف منوشن، وزير الخزانة الأمريكية، بأن الولايات المتحدة ستعلن فى وقت قريب عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد سوريا.
وفى رصد موقف روسيا من انقلاب ترامب على تصريحاته عشية وغداة توليه الرئاسة بشأن رؤيته للأزمة السورية أسجل، أولا، أن البنتاجون قد أعلن أن الضربة الصاروخية مجرد خطوة عسكرية محدودة ورد فعل. لكنه فور الضربة صرح رئيس الوزراء الروسى بأنها تهدد بإحداث اشتباك مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا. وأعلنت روسيا أنه بينما كانت جهود أعضاء مجلس الأمن منصبة على البحث عن صيغة للتوافق حول آلية التحقيق فى هجوم خان شيخون الكيماوي، كانت واشنطن تعد للتحرك بشكل أحادى فى خرق واضح لكل المواثيق الدولية وعدوان. وأدانت روسيا العمل العسكرى الأمريكي، وشددت على رفضه، واعتبرته منافيا للقانون الدولى وتصعيدا خطيرا،وتقويضا لجهود محاربة الارهاب ومستقبل العلاقات بين البلدين. وفى مجلس الأمن قال نائب المندوب الروسى الدائم لدى الأمم المتحدة موجها كلامه للإدارة الأمريكية: لقد دمرتم العراق وليبيا وقواعدهما العسكرية وترون ماذا يحدث هناك؟ واعتبر أن العدوان الأمريكى جاء مشجعا للإرهاب، حيث أقدم تنظيم داعش على هجوم واسع النطاق عقب الضربة الأمريكية. وأضاف أن دعوة الولايات المتحدة للدفع بعملية التسوية السياسية فى سوريا بعد قصف الأخيرة دعوة منافقة، وأنها دمرت النتائج الإيجابية للقاءات أستانا بشأن التسوية فى سوريا. بيد أنه رغم التصعيد الأمريكى واستيعابا لحدود الصراع بين القوتين النوويتين العظميين اكتفت روسيا بقطع وعد بتعزيز قدرات سوريا الدفاعية لتفادى تكرار مثل هذه العمليات.
وثانيا، أن البنتاجون قد أكد على لسان المتحدثة باسمه أن الولايات المتحدة لا تزال تجرى اتصالات مع روسيا عبر قناة تأمين الطلعات الجوية فى سوريا. وزعمت وكالة أسوشيتد برس، نقلا عن مصادر عسكرية أمريكية رفيعة، أن روسيا قد وافقت على الحفاظ على الخط الساخن للاتصال مع المسئولين فى وزارة الدفاع الأمريكية فى إطار مذكرة التفاهم الروسية الأمريكية حول ضمان سلامة تحليق طائرات الجانبين فى سماء سوريا أثناء العمليات. لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية نفى ما سبق معلنا أن روسيا قررت وقف العمل بمذكرة التفاهم المذكورة. وقد اعتبر نائب رئيس لجنة الدفاع فى مجلس النواب الروسى أن تعليق العمل بمذكرة التفاهم بشأن سلامة الطيران فوق سوريا يسمح لبلاده بالرد على مختلف التهديدات الصادرة من الولايات المتحدة، مثل الهجمات الصاروخية على المطار السورى. واعتبر خبير عسكرى روسى أن إصدار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أمره بضرب سوريا اقترب من وضع يمكن وصفه بالحرب الساخنة، ولولا ضبط النفس لصدر أمر روسى بإسقاط توماهوك، واندلعت حرب نووية. وأوضح خبير عسكرى روسى آخر أن منظومات الدفاع الجوى المنشورة فى سوريا تخضع لأوامر القيادة الروسية فقط، وتتولى حماية المنشآت العسكرية التابعة للجيش الروسى وتغطى المواقع التى توجد فيها القوات الروسية فقط، أما تعاملها مع أهداف أخرى فيخضع لعملية إعادة ضبط بأمر من القيادة العليا. ودعا خبير سياسى إلى استذكار الضربة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا التى استهدفت قاعدة سورية كان يوجد فيها عسكريون روس، وأنه يمكن اعتبارها بروفة واختبارا لرد الفعل الروسي؛ لكن روسيا، التى فضلت تأجيل ردها للمستقبل، سترد بشكل مناسب. لكنه لا ينبغى تجاهل تصريح المتحدثة باسم الخارجية الروسية بأن موسكو ستنظر فى إمكانية استئناف العمل بالمذكرة، تبعا لتطور الأوضاع، وأن روسيا حتى فى أصعب الظروف أبدت دوما استعدادها للحوار. كما أن أمريكا بدورها تدرك قيود الصدام العسكرى المباشر مع روسيا؛ فأبلغتها مسبقا بخططها لتوجيه الضربة، وبدورها أخطرت روسيا الجانب السوري، الذى سحب عسكرييه ومعداته من القاعدة، وفقا للخبير الأمريكى.
ورابعا، أن الظروف الداخلية فى الولايات المتحدة، والخلافات بين النخبة الأمريكية، كانت وراء القصف الصاروخى الأمريكى لسوريا، كما تزعم وتبرز صحيفة كومسو مولسكايا برافدا. فتقول الصحيفة الروسية إن شعبية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الولايات المتحدة تهبط بشكل منتظم نحو الحضيض، ومشروعات قوانينه الداخلية تتهاوى، وأمام ترامب تلوح الإقالة فى الأفق. بيد أن صراعا مع روسيا عبر توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا مثلا يبدو كأنه حل لجميع المشكلات، ويرص صفوف النخبة ويوحدها، ويقدم برهانا على براءة الرئيس من القضية الروسية، ويرفع من مؤشر شعبيته، ويتيح لحلفائه بالشرق الأوسط الفرصة لمحاربة إيران على الأرض السورية. وقد يُقدِم ترامب حقا على إدخال القوات الأمريكية إلى سوريا، ليكسب بعضا من الوقت، ويغلق أفواه معارضيه، ويرص صفوف النخبة. لكن ترامب يدرك جيدا أنه بالنسبة لقيادات الحزب الديمقراطى ومناصريه ليس سوى عدو، ولن يغمض لهم جفن قبل الاجهاز عليه. واندلاع نزاع جديد ضد روسيا وإيران فى سوريا يعنى أن ترامب قد نزل عند رغبة الصقور الديمقراطيين. وإذا ما رفض الاستسلام للضغط، فستكون لديه فرصة للانتصار على النخبة التى لا ترغب بالقبول به واحدا منها، وسيملك الفرصة لدخول التاريخ وليس التمرغ فيه. ويكشف هذا التحليل من الصحيفة الروسية المهمة أن روسيا لم تزل تراهن على اعادة بناء علاقاتها مع أمريكا تحت ادارة ترامب الجمهورية بعد ترديها فى عهد ادارة أوباما الديمقراطية.