أشرف محمود
قمة البحر الميت والتوافق المصرى السعودى
جاءت القمة العربية ـ التى احتضنتها المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة فى البحر الميت ـ كسابقاتها من القمم العربية التى تحولت الى مؤتمرات للخطابة ، فلاجديد فى القمة مثلا فيما يخص بعودة سوريا الى مقعدها الشاغر منذ ست سنوات وان بقى علمها مرفوعا فوق الطاولة ، غير أن الانصاف يدعونا لتأكيد ان كلمات بعض القادة قدمت إضاءات تبدو إيجابية ويجب التوقف عندها بمنطق نصف الكوب المملوء ، فليست كل الكلمات واحدة ، وان تشابهت، فى المقدمة بداية من الشكر على حفاوة البلد المضيف والدعوات لقائده بالتوفيق فى رئاسة القمة لمدة عام ، والشكر للسلف على ماقام به من جهد ، حتى حفظ من استمع لخطب الزعماء هذه الديباجة النمطية ولكنها ضرورية فى أدبيات الخطابة العربية ولابأس منها، إلا أن التوقف أمام كلمة أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الذى نطق بالمسكوت عنه والذى يبدو ان البعد عن الإقرار به وبما تبعه من اضرار اصابت الامة ستبقى الوضع على حاله فترات طويلة حتى عبر امير الكويت عن رؤية بلده فيما جرى بعالمنا العربى منذ العام 2011 ، فالامير أراد تشخيص الداء قبل تحديد الدواء لازماتنا العربية ، عندما قال بعبارات واضحة لا لبس فيها مالم يقله أحد قبله من قادة الامة عن اسباب النكبة العربية فى السنوات الاخيرة :إن ما يسمى الربيع العربى وهم أطاح بأمن واستقرار أشقاء لنا، وعطل التنمية والبناء لديهم وامتد بتداعياته السلبية ليشمل أجزاء عدة من وطننا العربى وادى إلى تدهور الأوضاع الأمنية فيها وليعيش شعبها معاناة مريرة وتتضاعف معها جراح الأمة.. نعم فماقاله امير الكويت أصاب كبد الحقيقة ، حتى وان قال قائل ان خروج الشعوب فى تظاهرات ضد حكامها كان لتفشى الفساد وغياب العدالة الاجتماعية ، فهو قول مردود عليه لأن ماحدث لم يكن اكثر من شعارات براقة تجذب البسطاء لتحتشد خلف أصحاب الاجندات والمطامع فى السلطة او البحث عن اقتسام الكعكة ، لذا فعلى الامة اولا ان تقر بان ماحدث لم يجلب لها الخير وانما حول بعض دولها الى دمار بعدما كانت تنبض بالحياة وأهلها آمنين ، فحول الربيع المزعوم امنهم الى ذعر واستقرارهم الى غربة فى أسقاع الارض ، ولا احد يمكنه ان يتنبا بموعد نهاية هذا الاسى ، ونظرة واحدة على مايجرى فى ساحة سوريا وليبيا واليمن تحديدا تكفى عن اى خطاب ، وكانت الترجمة الفعلية لهذا الأمر ماجاء فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى والتى تؤكد على الموقف المصرى الحريص على وحدة التراب السورى وبذل الجهد عن حل جذرى عبر التفاوض السياسى ، إذ اكد الرئيس السيسى فى كلمته على: أن الحل السياسى للازمة السورية هو السبيل الوحيد القادر على تحقيق الطموحات المشروعة للشعب السورى واستعادة وحدة سوريا وسلامتها الاقليمية والحفاظ على مؤسساتها الوطنية والقضاء على خطر الإرهاب والمنظمات المتطرفة، ولم يتوقف الرئيس عند عرض رؤية مصر لمايجرى وكيفية علاجه ، وإنما نوه الى ضرورة توفير الظروف المواتية لإعادة أعمارها وبنائها من جديد، وكرر الرئيس السيسى كعادته فى كل خطاب أو مناسبة التذكير بخطر الارهاب الذى شبهه بالمرض الخبيث الذى يتغلغل فى نسيج الدول والمجتمعات ويتخفى بجبن وخسة ، مطالبا بأن تكون مواجهته شاملة من خلال الحسم العسكرى على أن يتزامن معه تحسين الظروف التنموية والمعيشية للشعوب العربية والتصدى للفكر المتطرف وإعلاء قيم الدين السمحة حتى لايترك أى مجال لقوى الظلام تدلف منه الى المجتمعات العربية وتنشر افكارها الهدامة ، وكانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز متناغمة مع الطرح المصرى بخصوص سوريا واليمن عندما قال الملك سلمان : بات من المهم التوصل الى حل سياسى فى اليمن استنادا الى المبادرة الخليجية والقرارات الدولية ذات الصلة، واضاف : إن الشعب السورى يتعرض للقتل والتشريد ما يتطلب إيجاد حل سياسى ينهى هذه المأساة ، وزاد بالقول : ان أخطر مايواجه أمتنا العربية التطرف والإرهاب وطالب بضرورة تضافر الجهود لمحاربته ، وهو المطلب نفسه الذى طالب به الرئيس السيسى ، ولم يكن الموقف من أزمة سوريا واليمن والارهاب ، هو ما اتفق عليه الزعيمان المصرى والسعودى فى كلمتيهما أمام القمة وأنما تطرق الى القضية المركزية العربية التى تشغل عقل وقلب كل مواطن عربى ، إلا وهى قضية فلسطين ، فكان طبيعيا ان يخرج البيان الختامى للقمة مؤكدا على كل ماتطرق اليه الزعيمان العربيان من ضرورة إيجاد حل سياسى للأزمة فى اليمن وسوريا، وكذلك التضامن فى مواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكاله ، ورفض التدخل الخارجى فى شئون الدول العربية ، وقبل كل هذا ان الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية واقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية هو أساس السلام فى الشرق الأوسط ، وهكذا جاءت القمة لتؤكد التوافق المصرى السعودى فى كل القضايا العربية ، ولذا لم يكن غريبا ان يلتقى الزعيمان فى جلسة خاصة كانت كفيلة بالرد على دعاة الفرقة وهواة تعكير الأجواء بين الأشقاء ، وهو ماكان أبرز أحداث القمة العربية.