الصبر كان استراتيجية المصريين لمداواة المحن، ومداورة الأعداء، والترفع عن حماقات الأشقاء والصغار؟! وهذا «الصبر الاستراتيجي» قمة القوة والتحدي واليقين بالنصر، وآخر الأمثلة سد النهضة، ففي إطلالة نادرة خرج السفير خالد البقلي أمين عام مجلس الأمن القومي ليؤكد «ليس من الوارد التدخل العسكري في ملف سد النهضة». ويشرح البقلي «هناك التعاون والحلول الهندسية والفنية، فالعقل البشري لا يتوقف عن إيجاد الحلول، ولكن ذلك يتوقف علي الجانبين». ويحسم البقلي الأمر بكشفه عن أن الرئيس السيسي قال «إنه كان أمامنا خياران، واخترنا التعاون»، وأحسب أن هذا جوهر «عقيدة السيسي» المتمثلة في «الصبر والتعاون ومد الأيدي للجميع والزهد في الحلول العسكرية باعتبارها «الحل الأخير». ولقد شاهدنا الرجل يرفض التورط في سوريا واليمن وليبيا وضد إثيوبيا والسودان، فقد اختار السيسي الرهان علي الأمان لا الكمال، وأحسب أن السيسي ورجاله قد كسبوا الرهان لأن الطرق كلها أدت إلي القاهرة، وها نحن شهود علي الحفاوة الاستثنائية من دونالد ترامب، كما أن مجموعة الاستشارات الدولية (P.W.C) تؤكد أن مصر علي الطريق لتصبح قوة اقتصادية كبري. تري هل آن بالفعل لمصر أن تتولي قيادة المنطقة.
ولعل البداية هي في تأكيد ترامب «بوقوف الولايات المتحدة وراء مصر وشعبها بقوة»، وتأكيده للسيسي «سنحارب الإرهاب معا»، وإعلان استئناف الحوار الاستراتيجي، بل إن صحيفة نيويورك تايمز قالت إن السيسي حقق أهداف زيارته في 6 دقائق. إلا أن عريبى الرنتاوي اختار في الدستور الأردنية أن يصف ما حدث بعودة الروح للعلاقات المصرية الأمريكية، ويفسر ذلك بقوله « يبدو أن إدارة ترامب، تعول كثيرا علي مصر للقيام بأدوار إقليمية متزايدة من شأنها أن تسهم في «ملء فراغ» واشنطن في المنطقة، وتساعد في احتواء إيران، خصم إدارة ترامب اللدود من جهة، وتحجيم الدور الإقليمي لتركيا». وهنا يدور سؤال مشروع: ولماذا عادت واشنطن بل الجميع إلي «الطرق علي باب القاهرة»؟!، وأين هؤلاء الذين توهموا أن يقوموا «بدور القيادة»، وأحسب أن الإجابة عند النظر من حولنا كفيلة بشرح الأمر، ولكن في المقابل علي مصر أن «تفاوض علي صفقة جيدة». ، فى لحظة «احتياج الجميع لها»؟
ونبقي مع عريبي الذي يقول «إن واشنطن تريد حليفا موثوقا به بدلا من تركيا، وتريد معادلا موضوعيا لثقل إيران الاستراتيجي في المنطقة.. وحدها مصر، الدولة الاقليمية الكبري، يمكنها أن تقوم بهذا الدور، ولكن من دون مساعدتها علي النهوض من كبوتها، سيكون من المتعذر القيام بذلك. إلا أن العريبي يطرح أسئلة مهمة للمستقبل فهو يقول «هل ستنجح واشنطن في مسعاها هذا؟. وما الأثر الذي سيتركه هذا الاختراق علي السياسة المصرية في بعديها الداخلي والخارجي؟ والأثر الذي سيتركه علي توازن القوي علي الساحة العربية (مصر والسعودية) والإقليمية (مع تركيا وإيران)، وأي انعكاسات لذلك علي علاقات مصر مع إسرائيل، وكيف ستتصرف مصر مع السلطة وحماس.
>>>
وأحسب أن هذه الأسئلة مشروعة، يتعين علي واشنطن أن تقدم اجوبتها عليها «ما الذي ستقدمه واشنطن والغرب بصورة واضحة، وليس مجرد تعهدات معسولة لمصر»؟. وهنا لابد من الإشارة إلي أن مصر لديها «بدائل حقيقية» تخطب ودها، كما أن القاهرة لديها قيمها وأجندتها التي راهنت عليها، بل حاربت الارهاب وحدها، وهي في طريقها إلي الانتصار عليه. وأحسب أن القاهرة تريد «أفعالا» وتريد «شراكة مؤسسية»، وتريد جهدا حقيقيا للوصول إلي «صفقة القرن» في القضية الفلسطينية الاسرائيلية ولكن «حلا عادلا وشاملا»، كما أنها تتطلع لعلاقات صحية طبيعية دافئة مع واشنطن متحررة من «ظلال العلاقة مع إسرائيل». والنقطة المهمة هنا هي أن القاهرة تستعد لأن تكون «مركزا مهما للبترول والغاز» كما أنها تملك المؤهلات اللازمة لكي تصبح «قوة عظمي» في مجال الطاقة المتجددة، وهنا هذه «الأوراق الجديدة» التي تتجمع للقاهرة ـ خاصة مع دخول حقل ظهر وبقية الحقول الستة الانتاج ـ فإن الوضع سيكون «وضعا جديدا».
وهنا يمكن الإشارة إلي تقرير موقع «أوف شور تكنولوجي دوت كوم» الذي كتب يقول«مع اقتراب الشركات من مصر.. هل ستتمكن الأمة من عكس ثروات الطاقة». وتكشف عن آخر الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة المصرية مع عمالقة الطاقة توتال وايني وبريتش بتروليم، وهو ما تصفه بأنه مجرد أحدث عمل في موجة من النشاط للاستكشافات البترولية البحرية. عقب اكتشاف حقل ظهر الضخم. ويذهب التقرير إلي أن الحكومة المصرية حريصة علي أن تزدهر البلاد من ثرواتها الطبيعية، وأن تسدد ديونها، وأن تنهي اعتمادها علي الواردات من الطاقة. وجاء التقرير قبل أن يعلن رئيس الوزراء شريف إسماعيل أن مصر سوف تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول 8102، إلا أن جراهام بليس المدير بشركة اي. اتش. أس للأبحاث والاستشارات يقول عن مزايا مصر «إن وجود قاعدة هيدروكرونية ذات جودة عالية، وطلب محلي متزايد علي الغاز، وقدرات بشرية ذات مهارة عالية، ورغبة حكومية علي تطوير مصادر جديدة للغاز هي بعض أسباب تدفق الشركات علي مصر». وأشار إلي أن الانتاج من حقل ظهر والحقول الجديدة المكتشفة في دلتا النيل من المتوقع أن يتخطي الطلب المحلي الحالي عندما تبدأ هذه الحقول في الانتاج مع نهاية العام، وتحري الفرصة للتصدير أيضا». وهذا شيء يوضح لماذا مصر ولماذا الآن؟!
ويبقي أن مجموعة الاستشارات الدولية (PWC) تكشف في دراسة أخيرة لها عن العالم 0502 عن «صورة مبشرة للغاية» لمصر، وخلاصة الدراسة الهائلة أن مصر سوف تنمو لتصبح الاقتصاد رقم 51 علي مستوي العالم بحلول 0502، وأنها سوف تتجاوز كندا وايطاليا. وتوضح الدراسة أن مصر سوف تصبح الاقتصاد رقم 91 بحلول عام 0302 بدلا من رقم 12 حاليا، ويذهب واضعو الدراسة إلي أن الاقتصاد العالمي سوف تحركه اقتصاديا الدول الصاعدة. إذن القاهرة علي الطريق لكي تكون «قوة سياسية وعسكرية واقتصادية». إلا أن ذلك الذي يعرفه الآخرون عنا وبتفصيل أكبر، كما أن التقييم اعتمد علي أرقام الوضع الراهن، فتري ماذا لو نهضت مصر أكثر. الاجابة لكم. إلا أن أشد ما يقلقني هو «أعداء الداخل»، وأن نتفرق. ولكن مصر قادمة ، وهذه رسالة لمن لم يدرك بعد؟!