ما يخشاه المرء اليوم أن يتم استدراج الدول العربية إلى شفير الهاوية فيما إذا تبنوا النظرية التى يتم بموجبها إخراج إسرائيل من دائرة العداء فى قضية النظام الإقليمى العربى وإحلال إيران كعدو بدلا منها رغم ما يجمع الأخيرة مع العالم العربى من الجوار والدين، وهو ما يعنى أن تصبح إسرائيل جزءاً من النظام الإقليمي العربى مع تجاهل كونها النبتة الخبيثة التى زرعتها بريطانيا فى المنطقة عبر وعد بلفور المشئوم لتكون رأس الحربة ضد الدول العربية والاسلامية، ولتكون الكيان الذى يتسيد على المنطقة ويستنزفها ويحول دون توافق دولها.
وما قد يتبع ذلك من تراجع فكرة النظام الاقليمى العربى لتصبح الجامعة العربية مجرد كيان شكلى لا يسمن ولا يغنى من جوع.
نجح الغرب المريض فى أن يدفع أطرافاً عربية إلى تغيير رؤيتها بالنسبة للعدو فى المنطقة لتتربع إيران على سلم العداء بما يتطلب مجابهتها ومحاربتها إن اقتضى الأمر، ولتصبح إسرائيل طرفاً يمكن للعرب التحالف معه فى مواجهة إيران العدو المشترك لكليهما. وهو السيناريو الذى يجرى الترتيب له اليوم بدعم أمريكى غربى رغم ما يشكله من خطر ماحق على حاضر ومستقبل النظام العربى.
ولا شك أن الحديث عن هذا يقود إلى المصيدة الجديدة التى يتم تحضيرها لاستدراج الدول العربية نحو تشكيل ما يطلق عليه الناتو العربى، وهو بمثابة حلف سنى عربى موجه فى الأساس ضد إيران بعد شيطنتها وتصويرها على أنها العدو الذى يستهدف الدول العربية فى مقتل. المشروع الشيطانى الذى يتم نسجه يقام تحت المظلة الأمريكية ويشكل على نطاق ضيق فى البداية إذ يضم السعودية والامارات ومصر والأردن، وسيكون بالإمكان إدراج إسرائيل فى الحلف الجديد. أما الهدف الرئيسى من ورائه فهو التنسيق والتطبيع مع إسرائيل بعد إخراجها من دائرة العدو، وليصبح الهدف فى النهاية هو حصار إيران حصاراً قد يقود إلى شن الحرب عليها.
التحذير واجب من هذا السيناريو الخطير الذى يتم تحضيره لدول الخليج خاصة والدول العربية عامة تحت زعم التصدى لخطر الوجود الإيرانى. ولهذا يتعين على الدول العربية ألا تنجرف نحو السيناريوهات الصهيوأمريكية والتى بمقتضاها تكون مجبرة على التعايش مع التدخل الخارجى فى شئونها من خلال استغلال الصراعات الدموية الحادثة على أراضيهم والانتشار غير المسبوق للإرهاب. ومن ثم لابد أن يكون للعرب القدرة على الفعل ومواجهة ما يعترضهم من تحديات جسيمة.
يتعين اليوم على الدول العربية التضافر فيما بينهم لا سيما فى ظل إدارة ترامب والذى لا يمكن التنبؤ بتحركاته، فقد ينجرف بمواقفه الحادة وبشكل غير متوقع نحو حرب على إيران تشعل المنطقة ككل ولا يستفيد منها سوى الكيان الصهيونى الذى لا يألو جهداً فى تحريض أمريكا ضد طهران كى تشرع فى التحضير لمستوى جديد من إشعال النيران فى المنطقة تحت ذريعة كسر شوكة طهران. ولا يخفى أن أمريكا ستستفيد من خلال توقيعها لصفقات سلاح جديدة مع دول الخليج التى ستقوم بدورها فى الوقت نفسه بتمويل أى حرب جديدة ضد إيران، وهو ما سيصب بالإيجاب فى صالح إسرائيل من زاويتين: الأولى الظفر بتطبيع عربى ينتهى بتصفية القضية الفلسطينية، والثانى التخلص من إيران العدو اللدود للكيان الصهيونى. غير أن تداعيات هذه الحرب فيما إذا وقعت ستكون كارثية وستعصف بمصير الدول العربية.