إذا كان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر قد أقر علي الملأ.. ومن خلال شاشة فضائية مصرية بأن هناك نصوصاً قرآنية بها إرهاب.. وضرب مثلاً بذلك بآية الجزية وآية السيف.. فلا لوم ولا عتاب علي شطحات المدعو إسلام بحيري وسيد القمني وإبراهيم عيسي وكل من علي شاكلتهم.. ولا لوم ولا عتاب علي ترامب ومارين لوبان وخيرت فيلدرز وغيرهم من زعماء تيار اليمين المتطرف الشعبوي الذي لا يتكلم إلا عن الإرهاب الإسلامي.
بل لا لوم ولا عتاب علي الراقصة التي تستعد لتقديم برنامج ديني في رمضان القادم.. ولا لوم ولا عتاب علي كل من يستهين بالدين الإسلامي ويفتي فيه بغير علم.. ويسوق الاتهامات جزافاً للإسلام والقرآن والسنة النبوية المشرفة.
إذا كانت الأمور قد وصلت إلي حد الافئتات علي القرآن الكريم بهذا الشكل من أستاذ أزهري يحمل أمانة العلم الديني في عقله وصدره.. وينقله إلي طلابه وتلاميذه وجمهوره.. فقل علي الدنيا السلام.
والله لقد جاء الدكتور سعد الدين الهلالي شيئا إدَّا.. تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا.. جاء بما لم يأت به الأولون والآخرون.. وما لم يقل به أحد من العالمين.. اللهم إلا الإرهابيون الدواعش الذين يطوعون آيات الله الكريمات لعقولهم المريضة وأطماعهم الدنيوية حتي تسوغ لهم أن يقتلوا ويدمروا بزعم أنهم يطبقون كتاب الله وشرع الله.
ومثلهم تماماً.. يزعم الدكتور الهلالي - هدانا الله وإياه - أن هناك نصوصاً قرآنية بها إرهاب مثل آية الجزية وآية السيف.. ثم يستدرك ليقول إن هذه النصوص ليست قانونا وإنما هدي قابل للتأويل والتوقف بينما القانون ليس قابلاً للتأويل.
ولخطورة ما نشر عن هذه الواقعة كان لابد قبل الكتابة عنها أن أعود إلي شريط حلقة البرنامج لنعرف السياق الذي قيل فيه هذا الكلام.. ربما نلتمس للرجل عذراً بعد أن كثرت شطحاته وافتراءاته.. وقد حاول مقدم البرنامج عمرو أديب أن يسحب اتهام الإرهاب علي التفسيرات التي يقدمها علماء للنصوص الدينية "آيات القرآن الكريم".. واحتمال أن يكون في هذه التفسيرات إرهاب.. لكن الدكتور الهلالي يصر إصراراً عجيباً علي أن النصوص الدينية المقصود بها القرآن الكريم.. وهذه النصوص فيها إرهاب مثل آية السيف "الآية الخامسة من سورة التوبة" وآية الجزية "الآية 29 من سورة التوبة أيضاً".
تقول آية السيف : "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم".
وحاشا لله أن يكون في هذه الآية الكريمة إرهاب.. لكن الدكتور الهلالي اقتطعها من سياقها لحاجة في نفسه.. وسياق الآيات السابقة عليها واللاحقة لها تتحدث عن المشركين الذين نكثوا عهدهم مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وطعنوا في دينه وبدأوا المسلمين بالقتال.. هؤلاء هم الذين لا ايمان لهم.. وقد انفك الرسول من عهدهم.. وأعطاهم أربعة أشهر ليخرجوا من مكة بغير قتال ولا قتل.. وبعد انتهاء المدة أمر الله بعدة أمور.. إما قتل هؤلاء المشركين أو أسرهم "خذوهم" أو حصارهم "احصروهم".. ولم يكن القتل هو الخيار الوحيد.
ومع ذلك جاءت الآية التالية تأمر النبي بأن يمد حمايته علي من يحتمي به حتي يسمع كلام الله.. ثم يبلغه مأمنه حتي وإن لم يؤمن ولم يأمر بقتله مع أنه مشرك.
وإلي جانب هذين القسمين من المشركين.. الذين نكثوا العهد والذين طلبوا الحماية.. هناك قسم ثالث الذين قال فيهم ربنا جل وعلا : "فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم" ولم يأمر بقتلهم.
إذن في هذه الآيات اتضح أن المشركين أقسام ولم يأمر القرآن الكريم بقتلهم جميعاً فكيف يأمر بقتل أهل الكتاب أو يأمر بقتل كفار العالم جميعاً.. هذا فهم عجيب.
أما آية الجزية التي تقول : "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".. هذه الآية الكريمة فيها إقرار للكافر وأهل الكتاب علي دينهم وعدم قتالهم ماداموا قد أعطوا الجزية.. والجزية هي البديل المالي عن القتال في صفوف الجيش.. وعندما أصر بعض نصاري نجران علي أن يكون لهم لواء في جيش المسلمين رفعت عنهم الجزية.
فأي إرهاب في ذلك يا د.هلالي.. هدانا الله وإياك.