الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. ليس أبناء الزبالين وحدهم
كان ضروريا ان يستقيل المستشاز محفوظ صابر وزير العدل السابق أو يقال.. ليس لانه صدمنا بمعلومة غير صحيحة أو بسلوك غير سياسي أو لأنه بتصريحه المستفز حاول تأليب بعض فئات الشعب علي بعض وفتح بابا واسعا لجدل اجتماعي وسياسي حاول البعض توظيفه لتحقيق هوي في نفسه وتشويه مسيرة الاصلاح الطويلة التي وضع الوطن اقدامه عليها.
لكن اقالة الوزير أو استقالته كانت واجبه لانه تحدث بصراحة ووضوح وفتح ملفا شائكا ما كان ينبغي له ان يفتح فقد تعودنا علي اسلوب الخداع والتمويه والكذب السياسي وتضليل الناس بشعارات رنانة لا علاقة لها بالواقع من قريب أو بعيد.
تعودنا ان نكذب علي أنفسنا وان نضمد جراحنا بعبارات من نوعية الدستور يساوي بين الجميع والناس سواسية كأسنان المشط ونسينا عبارة انت عارف انا ابن مين والتي لاتزال سائدة في مشاجرات الناس ومشكلاتهم اليومية وقضاء مصالحهم وتسليك أمورهم هنا وهناك.
نعم المجتمع يتغير. ومن ملامح ومظاهر هذا التغير اجبار وزير العدل علي الاستقالة قبل الاقالة والاعتراف بأنها كانت زلة لسان وذلك تقدير المشاعر الناس واحتواء غضب المصريين.. كما ان مظاهر هذا التغيير ظهور نقيب الزبالين في العديد من الفضائيات يعارض كبار القضاة وينتقدهم ويتحداهم احيانا.. لكن لكي يحقق التغيير اهدافه وتتحقق العدالة بين المصريين علي أرض الواقع يجب ان يجد ابناء كل المصريين طريقهم الي ساحة العمل القضائي لا فرق بين ابن قاض وابن فلاح فمادام المتقدم للعمل في النيابة متفوقا في دراسته حسن السيرة والسلوك يمتلك العقلية القادرة علي فهم القانون والشخصية القادرة علي تطبيقه بين الناس فلابد ان يأخذ حقه ويجد طريقه دون واسطة او رشوة او اللف كعب داير علي كل من يري فيهم قدرة علي المساعدة.. ثم يفاجأ في النهاية بأن ابنه خارج الاختيارات لاسباب لايعرفها والاكثر ألما وحزنا ان يجد ابن مسئول اقل منه كفاءة علمية يغتصب منه حقه.
***
بالتأكيد.. امر توريث الوظائف والمهن المرموقة في مصر لايقف علي ساحة القضاء والعمل في النيابة ولايقتصر علي مجال الشرطة فهو موجود في المجتمع بكل قطاعاته في تحد صارخ للدستور الذي قرر المساواة بين كل المصريين في الحقوق والواجبات.. لكن لابد ان يعترف السادة القضاة في شجاعة نعهدها فيهم بان ما يحدث في ساحتهم تحديدا وهي ساحة عدل ومساواة وانصاف بين الناس ليس له مثيل في اية ساحة اخري.. فالشرطة علي سبيل المثال تعطي لكل قطاعات المجتمع الامنة نسبة وتضع ابناء العاملين فيها بينهم وبالتالي فان الانتقادات التي توجه الي سياسة القبول فيها اقل حدة من الانتقادات التي توجه لسياسة التعيين في النيابة العامة.
منذ شهور زارني موجه بالتعليم الازهري ومشهود له بالوطنية والاعتدال الديني وطلب مني التدخل لمساعدة ابنه المتفوق في ان يحصل علي حقه في مسابقة التعيين بالنيابة العامة. فضحكت من قلبي!!
فسألني بكل ود: هل طلبت منك طلبا شاذا أو غريبا او محرما.. لماذا تضحك؟
اجبته: لو كان المتقدم ابني وانا مدير تحرير صحيفة قومية ما قبل.. هذه هي معلوماتي وتلك قناعتي.. من واقع معلومات متراكمة عن اسلوب وطريقة اختيار وكلاء النيابة الجدد. لاقيمة لتقدير ولا اعتبار لتحريات أمنية. والدليل علي ذلك ان نجد كل دفعة نيابة جديدة عشرات الشباب الذين يصرخون هنا وهناك بسبب ضياع حقوقهم واختيار ابناء القضاة بدلا منهم.
***
ما يحدث في القضاء يحدث مثله تماما في العاملين في الخارجية والبنوك والصحافة حتي المهن الحرة التي تحتاج الي مواهب وقدرات ليست بالضرورة تتوارث من الاباء الي الابناء مثل التمثيل وكرة القدم وغيرها يتم فيها التوارث بشكل مستفز.
اذن نحن امام وباء اجتماعي وفكري وسياسي متوارث في مصر ولن يتم التخلص منه الا بتطبيق القانون وتصدي الدولة لمحاولات ابتزازها من بعض الفئات التي تري ان لها حقا في احتكار قطاعات معينة.
الدرس المستفاد من ازمة وزير العدل المستقيل مع اولاد الزبالين لاينبغي ان تكون "قرصة ودن" للوزراء وكبار المسئولين لضبط ألسنتهم التي تجلب لهم الازمات وتطيح بهم من مواقعهم المرموقة بل ينبغي ان يكون الدرس الاهم هو كيف نقضي علي مظاهر التمييز المستفزة بين المصريين.
ينبغي ان يكون الدرس الاكبر من هذه الازمة هو تخفيف حدة التوريث وكما قال نقيب الزبالين لأحد كبار القضاة علي الهواء مباشرة "ياسيادة المستشار حاولوا تطعيم الصنف بنوعيات مختلفة فهذا افضل لساحة العدالة وليس للمتطلعين الي حقوقهم فيها".
نحن في امس الحاجة الي قوانين صارمة تقف في طريق توريث الوظائف في مجال القضاء والشرطة والعمل الدبلوماسي والاعلامي والبنوك وشركات البترول وكل قطاعات العمل المتميزة.
نحن في أمس الحاجة الي تفعيل الدستور الذي حاربنا من اجل ان يكون عادلا ومحققا طموحات كل المصريين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف