الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
مصر والسودان واقع جديد
أستطيع أن أؤكد من خلال زيارتي لجمهورية السودان الشقيقة أننا أمام واقع جديد في العلاقات بين الدولتين. وأن المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين هي ما يرسم ملامح هذا الواقع الجديد. سواء في مجالات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي. أم في مجالات التأهيل والتدريب. أم في مجالات الفكر والثقافة. أم في مجالات مواجهة التطرف والإرهاب. أم في ميدان الحفاظ علي الهوية العربية الاسلامية المشتركة. في ضوء نبذ العنف وإعلاء قيم التسامح الديني والمفهوم الصحيح للحضارة الاسلامية التي تظل بظلالها الوارفة أبناء الوطن جميعا علي أرضية المواطنة الكاملة والحقوق والواجبات المتبادلة. سواء بين المواطنين بعضهم وبعض. أم بين المواطنين وبين الدولة. مع العمل علي إعلاء قيمة الدولة الوطنية والانتماء للوطن. ثم السعي معا إلي وحدة الصف العربي في ضوء الاحساس بالمصير المشترك ومدي التحديات التي تتهدد دول المنطقة وبخاصة العربية منها.
وفي إطار زيارتي للسودان لمست روحا جديدة تتسم بالحميمية الشديدة. والحرص علي بناء جسور ثقة متينة وراسخة مع الشقيقة مصر التي ينظر إليها الأشقاء السودانيون علي أنها الشقيقة الكبري. وأنها أم الدنيا التي تسطع شمسها ويضييء قمرها أرجاء وادي النيل شماله وجنوبه. بل إنه ليضيء كل الوري. علي حد قول شاعرنا وشاعرهم الشاعر السوداني محمد سعيد العباس:
مصر. وما مصر سوي الشمس التي
بهرت بثاقب نورها كل الوري
ولقد سعيت لها فكنت كأنما
أسعي لطيبة أو إلي أم القري
وبقيت مأخوذا وقيد ناظري
هذا الجمال تلفتا وتحيرا
فارقتها والشعر في لون الدجي
واليوم عدت به صباحا مسفرا
لم أنس أيامي بها وقد انقضت
وكأنها والله أحلام الكري
كذب الذي ظن الظنون فزفها
للناس عن مصر حديثا يفتري
والناس فيك اثنان شخص قد رأي
حسنا فهام به. وآخر لا يري
ولاشك أن الجهود المثمرة التي قامت بها حكومتا البلدين في الفترة الأخيرة قد أثمرت روحا جديدة. وأن فتح المعابر البرية علي الحدود بين الدولتين الشقيقتين سيسهم في خلق واقع جديد في مجال التجارة البينية وخلق مزيد من فرص العمل أمام شباب وأبناء الدولتين. وخلق شراكات استثمارية جديدة وبخاصة في مجال التجارة والزراعة. حيث تعد السودان ومازالت مهيأة لأن تكون أهم سلة للغذاء العربي. وينبغي التفكير الجاد في تكوين شركات إنتاج وتصنيع زراعي مشتركة تسهم في تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة وتوفير عدد من السلع الرئيسية والصناعات الغذائية والمتكاملة. نظرا لما تمتلكه السودان الشقيقة من مساحات زراعية شاسعة شديدة الخصوبة مع وفرة في المياه وسهولة في الري. وما تمتلكه مصر من مهارات وخبرات فنية سواء في مجالات الاستزراع. أم في مجالات التصنيع الزراعي وما يتبعه من تجفيف أو تغليف أوتعليب أوتصدير كما أننا في حاجة ملحة إلي تكوين كيانات أو مجالس أعمال مشتركة. وإذا كنا نسعي إلي تكوين مجالس أعمال وكيانات اقتصادية وغرف تجارية مشتركة مع الشرق والغرب فمن باب أولي أن ننظر إلي الأشقاء والعمق الاستراتيجي في دول حوض النيل. وأن نبدأ علي الفور في تشكيل جمعيات رجال الأعمال وسيدات الأعمال وشباب الأعمال المشتركة بين بلدينا الشقيقين. وأن تلقي هذه الكيانات دعم حكومتي مصروالسودان. ونحن علي ثقة في استعداد كل من الحكومتين لهذا الدعم غير المحدود إيمانا بأن المردود الاقتصادي والاستراتيجي والجيوسياسي سيكون واسعا وغير محدود. نظرا لما تمثله كل من الدولتين من عمق استراتيجي للدولة الأخري.
وبما أن الفكر والثقافة خير داعم للتلاقي بين الأمم والشعوب يجب التفكير جديا في هذا التواصل الفكري والثقافي علي كل المستويات.
وفيما يخص شأن الأوقاف والخطاب الديني فقد بدأنا بالفعل من خلال المشاركة في المؤتمرات والمسابقات وإيفاد بعض الدعاة إيفادا دائما أو خلال شهر رمضان المعظم. حيث صدقنا بالفعل علي إيفاد ثلاثة عشر عالما من علماء وزارة الأوقاف المصرية لإحياء شهر رمضان المعظم. في الجوانب الدعوية بمختلف أرجاء السودان. كما قررنا تزويد الأشقاء في الأوقاف السودانية وفي عدد من المؤسسات العلمية والثقافية والفكرية بمطبوعات وزارة الأوقاف المصرية والمجلس الأعلي للشئون الاسلامية. وبخاصة في مجالات الكتب المترجمة. ونفكر جديا ونتباحث معا حول عقد مؤتمرات علمية وفكرية وثقافية مشتركة في العمق الافريقي بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ومصالح أشقائنا الأفارقة. لنبني معا جسورا من الثقة. وذلك بتنسيق كامل ومن خلال وزارتي الأوقاف والخارجية بالدولتين الشقيقتين. ومن خلال التواصل والحوار البناء بما يسهم في تحقيق حياة أفضل وفرص أرحب لجميع شعوب القارة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف