ليلى تكلا
من ماذا؟ ولماذا؟ إلى كيف؟
نستكمل الحديث حول منظومة التعليم التى تعانيها مصر. قضية مشكلاتها مختلفة المصدر والنوع مما يقتضى تناول كل منها على حدة لتحديد العلاج المناسب. تناولنا واحدة من أكثرها تأثيراً على العقل والفكر والقرار والسلوك تلك هى المناهج. مضمونها وأسلوب تقديمها سجلنا قائمة بالأهداف المفروض أن تحققها المناهج ووسائل تحقيقها ثم قمنا بقياس مدى التزام مناهج مدارسنا بما هو مطلوب. أظهرت الدراسة عددا كبيرا من الثغرات والأخطاء تناولنا ثلاث قضايا منها بشرح واف، تلك هى قضية التفكير وإعمال العقل، وقضية غرس الوطنية والانتماء والاعتزاز بالهوية. ثم مدى التزامها بالدعوة للدولة الدستورية التى أختارها الشعب ونص عليها الدستور. لم يكن هدف البحث مجرد التعرف على الأخطاء وسرد المشكلات وتحليلها وأسبابها والشكوى منها إنما كان الهدف محاولة الوصول إلى تحديد بعض وسائل العلاج أى الانتقال من مرحلة ماذا؟ ولماذا؟ إلى مرحلة كيف؟
ونقدم بعض الاقتراحات لكل من القضايا الثلاث:
المجال الأول: مسألة التفكير وإعمال العقل تحتاج التطوير فى مجالات ثلاثة نتناولها تباعاً أولها ضرورة اقتناع القائمين على شئون التعليم وواضعى المناهج اقتناعا كاملا أن تنشيط التفكير و إعمال العقل اهم اهداف التعليم وأساس التقدم وأن تنمية الفكر اصبح ممكناً بعد ثبوت «لاستيكية المخ» وأن المناهج لا يمكن أن تشمل كل جوانب المعرفة. القدرة على الفكر هو الذى يستكملها ويلحق بالمعارف التى تتجدد بسرعة فائقة. وأن توجيه الطلبة إلى التفكير السليم يساعدهم على مواجهة مشكلات الحياة بصفة عامة. وهناك فى ذلك كتب وأبحاث نرفق قائمة منها بنسخة الأهرام الإلكترونية ندعوهم إلى مراجعتها والاستعانة بالخبراء فى مجال التفكير منهم الأساتذة سوسن عبدالرحمن وصفاء الأعسر وحسن زيتون.
المجال الثانى: يرتبط بأن الفكر يتشكل والقرارات تصدر بناء على ما نزرع فيه من معرفة وهنا نقترح التأكد من مراجعة صحة ودقة ما نزرعه فى العقل وأن يقدم للطلبة بما يتناسب مع المرحلة العمرية حتى يتسنى لهم فهمها وعدم الفهم يغلق العقول. مصر كانت أول دولة فى المنطقة تهتم بقضية المعلومات أنشأت مركز المعلومات لصنع القرار وهى اليوم تقوم بإنشاء قرية المعرفة وإعداد قوائم البيانات وتطوير التكنولوجيا وكلها إنجازات كنا فى أشد الحاجة إليها ولا تأخذ حقها من التقدير، بقى إذن أن تهتم المناهج بالمعلومات والمعرفة حتى تمد الطلبة بما يتفق مع تنمية الفكرمن أجل تحقيق أهداف الوطن وسلامة الشعب وكرامته.
وندعو أن يكون شرح ما يقدم لهم من مرجعية وافياً صحيحاً بحيث يثرى المعرفة ويغذى العقل ويرضى المنطق نقدم أمثلة توضح ما نقصد.. المرجعية فى موضوع البيئة حفظ سورة الروم من 41: 50 التى تتحدث عن فساد البر والبحر والشرح هو أن الله يمقت المفسدين والكافرين ومصيرهم النار وفساد البيئة لعقابهم. و المهم هنا الإشارة إلى بعض ما وصل إليه العلم فى قضايا البيئة. وأهمية حماية الموارد والحفاظ عليها. ودور المواطن فى ذلك مع توضيح أن الكوارث الطبيعية تصيب الكل لا تختار الضحايا .
المجال الثالث: هو ضرورة أن تشتمل المناهج و الأنشطة على آليات تنمية وتنشيط الفكر عن طريق التدريبات والمشاركة فى طرح مواقف أو مشاكل ومساعدة الطلبة فى حلها بحيث يقومون بعرض المقترحات والبدائل المختلفة ومناقشة مزايا وعيوب كل منها لاختيار الحل السليم مما يحقق القدرة على الاختيار التى هى فى واقع الأمر جوهر الحرية وهناك أمثلة لتدريبات تنشيط العقل فى الكتب التى أشرنا إليها تقوم على أن العقل يحتاج التنشيط تماماً مثل العضلات وإلا أصابه الخمول والكسل والتخلف بعض المدارس التى تقوم برسالتها تعطى الرياضة الذهنية أهمية خاصة وبعضها بها حصص مخصصة لممارسة لعبة الشطرنج. كما ندعو إلى الاهتمام بالرياضة كشرط أساسى للصحة العامة وهى التى تنشط البدن والعقل والفكر. والعقل السليم فى الجسم السليم. وبكثير من الاعتزاز بتراثنا نشير هنا أن أجدادنا الفراعنة العظماء أدركوا أهمية التدريبات الذهنية و كانوا يمارسونها للتعليم والترفيه ولهم ألعاب ذهنية منها: (لعبة السنت) كانت من الألعاب المفضلة لدى الفراعنة، وعلى اللاعب أن يفكر كيف يواجه خصمه حتى يستطيع التغلب عليه. اشهر نماذج هذه اللعبة عثر عليها فى مقبرة توت عنخ أمون وهى تشبه الشطرنج وهناك لعبة الثعبان من الألعاب الذهنية ولعبة اخفاء الوجه وهناك لعبة العشرين. وقد عشق المصريون الكرة منذ الأزل وكانت لعبة الكرة للفتيات وهناك صور عنها فى مقبرة خيتى ببنى حسن هذا إلى جانب ألعاب أكروباتية تشجع تنمية اللياقة البدنية والتفكير السليم يسردها كتاب د. زاهى حواس (الألعاب والتسلية عند المصرى القديم).
ندعو وزارات التعليم والشباب والثقافة التعرف عليها ودراستها واستخدامها وإحياؤها وتصديرها للخارج تعبير عملى عن إحياء التراث والاعتزاز بالتراث وبتاريخ مصر الذى تهتم به المدارس فى دول العالم أكثر من اهتمام مدارسنا به. أمر يتعلق بالقضية الثانية التى هى دور المدارس والمناهج فى دعم المواطنة والهوية ولها الحديث القادم.