لم تسفر الضربة العسكرية التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاعدة ¢الشعيرات¢ السورية فجر الجمعة الماضي عن خسائر كبيرة ..
- لكنها وضعت العالم علي أعتاب مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية.. تستعيد فيها الولايات المتحدة الأمريكية زعامة العالم .. بقيادة رئيس أثبت أنه ¢رجل أفعال لا أقوال¢.. وأنه لا يتردد في استخدام القوة عندما تتجاوز دول الخطوط الحمراء كما قال وزير خارجيته ريكس تيلرسون . الذي أضاف : ¢ان عهد انعدام الفعل الأمريكي قد ولي¢..!
- خطورة المرحلة التاريخية الجديدة ..أنها بدأت بإرهاصات المواجهة العسكرية بين أكبر قوتين نوويتين في العالم ..هذا بالضبط ما عبر عنه منذ يومين رئيس وزراء روسيا ورئيسها السابق ديمتري مدفيديف عندما قال:¢ان الضربة الأمريكية لسوريا تقربنا خطوات من المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة¢ ..!
- لا أبالغ اذا قلت ¢ان الحرب العالمية الثالثة أصبحت أقرب مما نتصور¢ ..لقد سبق أن أشرت الي ذلك في مقال ¢ ألف باء¢ بالجمهورية يوم 15/2/2016 تحت عنوان : ¢مدفيديف وكسينجر يحذران : طبول الحرب العالمية تدق في سوريا¢ ..عرضت فيه ما جاء علي لسان مدفيديف في تصريحات أدلي بها أوائل فبراير 2016 الي الصحف الألمانية علي هامش مؤتمر ميونيخ للأمن . تعليقا علي قرار السعودية بإرسال قوات خاصة الي سوريا للمشاركة في حرب برية ضد داعش . بشرط أن تجري هذه الحرب تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية ... كذلك ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر لصحفي اسمه ¢الفريد هينز¢ في حوار نشر عام 2014 في صحيفة أمريكية اسمها ¢ديلي سكيب¢ . تناول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط ..قال كسينجر في هذا الحوار بالحرف الواحد : ¢ان الذي لا يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة تقرع ..لابد أن يكون مصابا بالصمم¢!!..
- كما سقت دليلا آخر من مقال نشر في نوفمبر 2015 بمجلة ¢ذي ناشيونال انترست¢ الأمريكية . لكاتب أمريكي أسمه ¢روبرت فارلي¢ يعمل محاضرا للعلاقات الدبلوماسية والتجارة الدولية بجامعة ¢كينتكي¢..في هذا المقال يحدد الكاتب 5 مناطق محتملة لنشوب الحرب العالمية الثالثة . تأتي في مقدمتها سوريا
* أضيف اليوم الي ما سبق. ما نشرته صحيفة ¢موسكوفسكي كومسوموليتس¢ الروسية يوم 10 أكتوبر 2016 نقلا عن صحيفة ¢اندبندنت¢ البريطانية من تأكيد رئيس أركان الجيش الأمريكي مارك ميللي في كلمته أمام المؤتمر السنوي لرابطة الجيش الأمريكي بواشنطن . أن الحرب العالمية المقبلة هي أمر حتمي! ..
* كذلك ما قاله الجنرال ويليام هيكس في المؤتمر من أن نجاح الصناعات العسكرية الروسية والصينية في تنمية ذكائها الصناعي . قد أجبر واشنطن علي بدء التحضير لحرب لم يشهد الجيش الأمريكي لها مثيلا منذ الحرب الكورية "1950-1953" . وقد أيد هذا الرأي نائب رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف أندرسون . الذي قال : ¢ان واشنطن تصطدم اليوم بتهديدات وجودية من روسيا والصين¢..
* فاذا أضفنا الي ما سبق أن وزير الدفاع الأمريكي السابق آشتون كارتر لم يستبعد امكانية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للسلاح النووي . مشيرا الي أن روسيا وكوريا الشمالية ستكونان الهدفين الأكثر احتمالا ..ندرك أن خطر نشوب حرب عالمية ثالثة قد أصبح وشيكا ..
***
سأحاول هنا تقديم قراءة تحليلية لأحداث الأيام الخمسة الأخيرة ..لعلها تساعد في استقراء المستقبل ..
- سأبدأ بالاشارة أولا الي أن الضربة الأمريكية لقاعدة ¢الشعيرات¢ الجوية في سوريا . مثلت ¢اهانة¢ كبيرة لموسكو . لم تستطع حتي الآن أن تبتلعها:
* ربما لأن الضربة جاءت مفاجئة لها ..بقرار من رجل كان منذ أيام قليلة يتحدث عن التعاون مع روسيا في الحرب علي الارهاب بسوريا ..حتي ان المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي قالت يوم 30 مارس الماضي : ¢لم يعد إبعاد الرئيس الأسد في أولوياتنا¢!..هذا بالضبط ما كانت تريد موسكو أن تسمعه من واشنطن ..فاذا بواشنطن تغير موقفها 180 درجة في أقل من أسبوع ..ليس لأنها تعرضت لتهديد من موسكو . ولكن لأن ابنة الرئيس ترامب ¢ايفانكا¢ أرسلت الي والدها صور ضحايا القصف الكيماوي لمدينة خان شيخون السورية . فتأثر ترامب كثيرا عندما شاهد الصور . ووعد ابنته بأن يقتص لهؤلاء الضحايا ..طلب من البنتاجون أن يقدم له تقريرا بالخيارات العسكرية الممكنة في سوريا ..ثم أعلن في اليوم التالي مباشرة - الأربعاء 5 أبريل 2017- خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن موقفه من بشار الأسد قد تغير كثيرا بعد قصف الطائرات السورية لمدينة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية ..وصف القصف بأنه ¢اهانة كبيرة للانسانية¢! ..وأنه لن يكون مثل سلفه أوباما الذي كان يرسم الخطوط الحمراء ولا يفعل شيئا عندما يتجاوزها الآخرون ..انه سيفعل ..وعندما سئل عن العمل العسكري الذي يمكن أن يقوم به في سوريا . قال ترامب : ¢لن أتحدث عن خططي العسكرية في سوريا لوسائل الاعلام¢ ..
* بعد ساعات فقط من هذا المؤتمر الصحفي . أعلنت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي أن واشنطن تتوعد بتحرك احادي في حال فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ اجراء للرد علي استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية في قصف مدينة خان شيخون ..
* كانت موسكو حتي ذلك الوقت تتصور أن ما يصدر عن ترامب وموظفيه هي مجرد رسائل موجهة الي الداخل الأمريكي لزيادة شعبية ترامب ..وأنه يمكنها باستخدام ¢حق الفيتو¢ في مجلس الأمن أن تمنع الولايات المتحدة من القيام بأي تحرك . كما سبق أن استخدمت ¢الفيتو¢ 7 مرات لتعطيل صدور قرارات من المجلس بشأن الأزمة السورية ..فاذا بترامب يضرب ..فيخالف بذلك توقعاتها ويقلب حساباتها رأسا علي عقب..
* الضربة تمت بطريقة تعكس زعامة الولايات المتحدة للعالم ..سواء من حيث السرعة في الرد بعد أقل من 48 ساعة فقط علي قصف مدينة خان شيخون . دون صدور قرار من مجلس الأمن! ..أو من حيث مدة التنفيذ التي لم تزد علي 3 دقائق فقط . تم خلالها تدمير القاعدة الجوية في ¢الشعيرات¢ التي انطلقت منها الطائرات السورية الي مدينة خان شيخون..
* ابلاغ الروس بموعد الضربة قبل تنفيذها ..يحمل في حد ذاته اهانة كبيرة من الأمريكيين للجيش الأحمر ..لأن ¢الابلاغ¢ حمل معني ¢التحذير¢ من الرد ..وليس التنسيق والتشاور! ..
* يجب أن نلاحظ هنا أن ¢الخط الساخن¢ بين موسكو وواشنطن لم ينقذ الروس ..فطلبوا من جنرالاتهم الاسراع بجمع ملابسهم والهروب من قاعدة الشعيرات الجوية بأسرع وقت ممكن انقاذا لأرواحهم . كما نصحوا جنرالات الجيش العربي السوري بفعل نفس الشئ ..
* قمة الاهانة للجيش الأحمر الروسي ..أنه لم يجرؤ أحد من جنرالاته الضغط علي ¢الزر¢ لاطلاق صواريخ ¢اس 300¢ أو ¢اس 400¢ المحيطة بقاعدة الشعيرات للتصدي للصواريخ الأمريكية ..سكتت الصواريخ الروسية ..ودمرت طائرات سوخوي الروسية وهي علي الأرض ..كما دمر برج المراقبة . ومدرج الطائرات . ومخازن الوقود. ومخازن الذخيرة ..وبدأ الناس يتداولون علي مواقع التواصل الاجتماعي صور تدمير قاعدة الشعيرات الجوية . التي كانت تمثل أهمية استراتيجية كبيرة للقوات الروسية في سوريا ..!!
***
البقية في الأسبوع القادم ان شاء الله تعالي ..