الجمهورية
صالح ابراهيم
طفل يتسول .. بقعة سوداء في ثوب الأسرة
يحكم العالم ثلاث نظريات للتطور الديموجرافي.. والزيادة السكانية.. الأولي: تدعو إلي المستوي العام للأسرة.. لإنجاب ما تريد من أطفال.. يقدرون هم قدراتهم واحتياجاتهم.. وعادة ما تكون هذه النظرية سارية.. عند حالات نشوء المجتمعات الجديدة.. والدول الحديثة الاستقلال.. أو التي خرجت من حروب.. تري أهمية تعويض ما فقدته من بشر.. تتلاحم أوراحهم في البناء والازدهار.. والثانية: تعتمد التقييد العام.. بالسماح لكل أسرة بحد أقصي من المواليد.. لا تكون الدولة ملزمة بتقديم أي خدمة لهم "تعليم صحة إسكان.. إلخ".. والثالثة: تتبع سياسة مرنة. حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. بتشجيع ما يسمي بتنظيم الأسرة.. وعدم الإفراط في الإنجاب.. دون استشارة تمتد حتي صجة الأم.. وتسعي لضبط النسل من خلال النزول بمعدل النمو السكاني إلي درجة تتناسب مع معدل النمو العام.. لتستطيع الدولة تحقيق ثمار التنمية.. وتوفير نصيب لجميع من يعيشون علي أرضها من مواطنين.
صحيح أن الدولة قد تنتقل من مرحلة إلي أخري.. أو تستريح من مرحلة ما.. بتنفيذ ملامح تميزت بها نظرية أخري.. وعلي سبيل المثال في الوقت الذي واجهت فيه الصين قضية الزيادة السكانية بتحديد مولود واحد لكل أسرة.. فإن دول في غرب أوروبا تصرف حوافز للآباء والأمهات عن الأبناء الجدد.. لتعويض ما حدث من نقص حاد في السكان نتيجة للحروب العالمية المتكررة. بينما نجد ألكس مالتوس.. أحد أوائل الذين انتبهوا للنظرية الثانية.. وضرورة تناسب عدد كل دولة مع إمكانياتها ومواردها.. لا مانع في اعتماد الحرب وسيلة لتصحيح المسار السكاني.
المهم.. تمضي الحياة بسفينة السكان.. يختلف التعداد من بلد لآخر.. وربما من قطاع لقطاع.. ولكن كل هذه النظريات.. وما يستجد منها.. ينفق في القاعدة علي رعاية الأجيال. ويعتبر الصغار.. أهم رصيد للاستثمار.. تنفق الدولة الكثير علي التعليم والتربية والإعداد.. وربما خصصت نسبة من الناتج القومي لهذا الغرض.. حيث يتوافر لها القوة الضاربة.. القادرة علي شغل كل المسئوليات.. وتحقيق تطلعات الشعب.. الأمنيات وهذا الإعداد لا يكون أبداً من فراغ.. لكنه ينطلق بمبادئ للرعاية والأخلاقيات والسلوكيات حددتها الأديان السماوية.. بالإضافة إلي اتفاقيات ومعاهدات ومجالس وهيئات مجتمعية تتناغم في الأداء.. ويراقبها رأي عام.. لا يجامل.. ينتبه عند الخطر.. وفي قضية الأجيال.. نلمح ذلك في التعامل مع السلبيات التي تعرقل الإعداد أو تمنع الشجيرات من النمو والثمار.
عندما كنا شباباً بالجامعة.. لفت نظرنا تمركز هؤلاء البؤساء.. في الشوارع والميادين.. بعضهم يبيع الزهور أو المناديل الورقية.. أو يسألون المساعدة مباشرة.. "ربنا يخللي الست يا بيه".. ومع التأمل في أماكن التجمعات. ومن الإبداع الأدبي والدرامي.. نكتشف عالماً غريباً.. لمملكة التسول.. وصناعة العاهات. تستدعي استنفاراً مجتمعياً.. وشراكة في دعم دور الإصلاح والرعاية.. وقبلها التعامل الصائب مع ضحايا الخلافات الأسرية.. الذين فقدوا عائلهم.. وتخلصت منهم العائلة.. جنباً إلي جنب مع الذين دفعتهم ظروف غير سوية للهرب مع أقران لهم للانضمام إلي أولاد الشوارع.. أو عصابات التسول والنشل.. المعروفة لدي الشرطة.. وتعود لتمارس نشاطها بعد الإفراج.
الآن أصبح لدينا خط ساخن.. رغم وصول سقف الظاهرة إلي كارثة.. بالشوارع والميادين ومحطات المترو والقطارات والأتوبيسات.. وتحت الكباري.. وفي الأماكن السياحية.. يطاردون الجميع بإلحاح من خلال ترتيبات غير منظورة يقودها المعلم.. المراقب من بعيد.. وفي المقدمة سيدة أو أكثر تحمل طفلاً.. أو روشتة دواء.. أو سيناريو مبتكر ينتزع الحسنة فوراً.. ويزيد طابور العاطلين.. للأسف القادرين علي العمل.. ورغم أن المجلس القومي للطفولة لا يملك سيارة نجدة. للتحرك مع بلاغات استغلال الأطفال في التسول.. فإن زيادة البلاغات خلال عيد الفطر للخط الساخن "16000" زادت 82% و65% منها من القاهرة والجيزة.. واستحوذت كما تقول الأمين العام للمجلس 11 محافظة علي البلاغات. يلفت النظر وجود محافظتين من الصعيد فقط بالقائمة هما قنا والمنيا.. بينما تكون النسبة الأكبر من محافظات القاهرة الكبري.. معظم الأطفال المجبرين علي ممارسة التسول لا تزيد أعمارهم علي تسعة أعوام.. بالإضافة إلي بلاغات حماية الطفل من الخطر.. وإهمال دار الرعاية.. والإبلاغ عن المفقودين.. وكل ما يحدث الآن هو إحالة البلاغات إلي لجان الحماية بالمحافظات وقطاع رعاية الأحداث بالداخلية.. طفل يتسول.. يعني ثروة مستقبل مهددة.. وتهديد مباشر لفلذات الأكباد. أثمن ما نملك.. ومآسي عديدة.. نستطيع بالشراكة المجتمعية.. والجهود التطوعية.. ومشاعر الأبوة والأمومة داخل كل منا.. أن نفعل المعجزات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف