الوفد
م. حسين منصور
البصاص.. رواية الفاجعة
فى روايته الفاجعة يدور بنا مصطفى عبيد فى دروب مظلمة وتواريخ آثمة كم أوجعت قلب الوطن.. فى وصف جديد لعالم يدور الحديث عنه غارقاً فى الدماء والأنين والصراخ وسريان الكهرباء ودق الأعناق والنفوس الذى لا ينتهى.
< فى نص محكم البناء يمزج فيه الكاتب بين الواقع والتاريخ المزرى لعوالم التقصى والتجسس والاستخبار على البشر والحجر واسترقاق السمع ومد البصر فى مواجهة ما يكبده الخارجون والناقمون والغاضبون..
< يعرج بنا مصطفى عبيد على مناخ وروايات مختلفة عبر تاريخ البصاصين وأدوار رجال الأمن والدولة فى عصر محمد على من خلال رواية باحث شاب يقدم رسالته العلمية لنيل درجة الدكتوراه عن «تطور نظام العسس فى مصر من عهد المماليك لمحمد على».. يلتقى الباحث بالصحفية ندى وينسجا خيوطاً رومانسية حالمة فى تطور للأحداث ويعرض الكاتب حياة الباحث من جوانبها المختلفة: أسرته.. والده.. والدته.. أصدقاؤه.. جيرانه.. زملاؤه.. ورؤساؤه فى العمل.
< يتحدث الكاتب عن دور البصاص (هو الإمام الحارس مشكاة الدروب المظلمة وسلام الصاعدين للحقيقة).
ويقول (عينا البصاص لا تمسهما النار.. البصاص لا يحقر أمراً ولا يستثنى أحداً.. إن الكلاب التى لن تنبح قد تنهض غادرة.. مبتغاه صون الدين وصيانة الدنيا فعليه السلام أينما حل وأذل وله المن متى انطلق واستنطق).
< وفى عرضه لحالات التعذيب يورد الكاتب (ففوجئت بالرجل الذى كان هادئاً وقوراً ينقلب وحشاً عنيفاً).. (حصة الكهرباء ثابتة يومياً سواء كنت متعاون أو غير متعاون كتب عليك الصعق كما كتب على الذين من قبلك.. تصرخ للجدران طلباً للمغفرة.. تلعق الأرض طلباً للرحمة ولا تجيبه سوى قهقهات السادة).
< هذه الرهافة التى نحت بها الكاتب روايته فعرض أقسى وأفظع المشاهد بلغته الرصينة المحكمة، فكانت المفارقة ما بين رهافة الكلمات وبشاعة الحدث.. ولكن نسج وتطور علاقة الحب بين الباحث والصحفية كان شديد التشويق ليتصاعد لفاجعة أوجزت فحوى ما عرض له الكاتب عبر فصول روايته.
< كان التاريخ والورق والوراقين والاقتصاد والسوق والقاهرة المدينة والمقطم والجامعة حاضرين فى الرواية التى جاءت من قلب الشاعر الباحث العاشق للتاريخ والغارق فى عمله الصحفى الاقتصادى وابن المقطم، فكانت نسجاً من حياته وما خبره وفعله.. رواية البصاص بصمة وعلامة مميزة ملتهبة تضج بالألم والاعتراض الصارخ ووصف متكامل يفيض رقة وحزناً لعالم موجع وأرواح تئن.
< ولا شك أنه قد كان لافتاً هذا المزج بين التاريخ والحاضر فى سلامة وحنكة، فألقى ضوءاً ساطعاً على ماض وحاضر لم يختلفا ونسج الكاتب شخصياته فى هدوء وتأنٍ فتجمعت المفردات لتصنع واقعاً صاخباً مفرطاً فى الغرابة والدهشة.. تحية للكاتب على ما جاد وأبدع وأعطى شخوصاً وأحداثاً من لحم ودم وألم ونضال وسجال، فتلك هى الحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف