المصريون
د . جمال المنشاوى
تفجيرات الكنائس..ونظرية الأواني المُستطرَقة..؟!
إنتحاري يدخل كنيسة, يتصدر الصفوف الأماميهَ, يُفجِّر نفسَه, تتناثر الأشلاء من الحاضرين, رجال ونساء وأطفال, ترتفع الأصوات بالإستهجان والشجب والتنديد, وتتنافس الفضائيات في نقل المشهد, وإستحضار صور الضحايا وسيرتهم الذاتية, ويزور كبار المسئولين المكان ويطلقون التصريحات النارية,حول خطط الدولة لدحر الإرهاب والإرهابيين, ومناشدة المجتمع الدولي للوقوف سويا لهزيمة هؤلاء الإرهابيين, ثم تخفُت النبرة تدريجياً, وتقل التصريحات ويسترخي الأمن, ثم نُفاجأ بإنفجار جديد, فنعيد الكره, ونُلدغ من الجحر ألف مرة, سيناريو يتكرر بحذافيره هذه الأيام, ولو أزلنا اسم المكان الجديد الذي حدث به الانفجار لوجدنا نفس الكلام ونفس التصريحات مع اختلاف الأسماء والمسميات, فالكلام الآن عن انفجاري الإسكندرية وطنطا, والذي أودي بحياة ما لا يقل عن 50 شخصاً, وجرح أكثر من 100, هو بحذافيره ما قيل عند انفجار البطرسية من عدة أشهر, إذن أين الخلل؟!, وقبل أن نستفيض في الكلام عن التشخيص ثم العلاج علينا أن نبحث عن جذور الأمر من حيث الذهنية والعقلية والأسس العقائدية التي تدفع شخصاً لتفجير نفسه في مجموعة من الناس لا يعرفهم, وفي مكان لا يجوز نسفه أو الاعتداء عليه, الانتحاري الذي فجّر نفسه لا يهتم بالبحث عن جواز الأمر من عدمه, فهو قد حدد منهجه من البداية بتكفير الجميع وبجواز قتلهم, وأن هذا العمل سيؤدي به إلي الجنة بمجرد أن يدوس زر التفجير ويتحول إلي أشلاء, فستصعد روحه إلي الجنة, وينعم بما ينعم به الشهيد من خصال, لذا لن يوقفه شيء عن تحقيق هدفه, ولن يجدي معه البرامج الحوارية, أو التصريحات الاستنكارية, ما يجدي معه أن يُضيَق الخناقُ عليه وتُسَد أمامه الثغرات التي ينفذ منها,لماذا!؟, لأن هذا الفكر التكفيري ناتج عن خلل نفسي وعقيدي من أيام ذي الخويصره مُنشئ هذا الفكر , والذي اعترض علي رسول الله صلي الله عليه وسلم, ونشأ من صُلبه الخوارج الذين كفّروا الصحابة, وقتلوا علياً بن أبي طالب خليفة المسلمين, واستمروا في منهجهم حتى وصلوا إلي عصرنا هذا, فأخذوا صوراً جديدة, متسلحة بتطور تكنولوجي وبأدوات حديثة وبدعم أجهزة تستغل خللهم النفسي فتستدرجهم من حيث لا يعلمون إلي عمليات تؤدي في النهاية إلي هز استقرار دول, ونزع الأمان من المجتمعات, وإثارة الفتنه والانقسام بين أفراد المجتمع, يستطيع من خلاله المُحرِك من خلف الستار, أو المُتربِص من وراء جُدر, النفاذ إلي ما يريد , لذا يأتي الهجوم علي الأقباط في مصر وتفجير الكنائس تحت هذا الإطار, وهو إثارة الفتنة بين فئة في المجتمع ينظر إليها بعض المُتربصين بالخارج أنها مُضطهَدة, وأنها لا تتمتع بحرية العقيدة, وأن الدولة لا تستطيع حمايتها , بل يتهمونها (الدولة) أحياناً بالتواطؤ بإرخاء القبضة الأمنية أو ضعف سبل الحماية, وهذا كما يريد المخططون قد يفتح الباب يوماً ما لتطبيق قانون حماية الأقليات الذي أقرته الأمم المتحدة ويفتح باب التدخل الأجنبي لحماية تلك الأقليات, وهو أمرُ خطيرُ جدا لا يُقدرّه من يفعل ذلك من السذج الذين هم أدوات ووقود هذا المُخطط الشيطاني لضرب هذه الدولة التي مازالت مُتماسكة, بعد أن تفتت أغلب الدول من حولها, تفجير الكنائس سُبّه في جبين من فعل ونفذ, وتقصير في الحماية والأخذ بأسباب المنع , فلا يُعقل أن يتكرر الحدث بنفس الطريقة, وكأنه نقل مسطره في كنيسة طنطا!, وكأنه يعيد مشهد البطرسيه بكل تفاصيله, إن لم يكن هذا تقصيراً وتراخياً فماذا نسميه؟!, وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يتبناها ويروج لها المعارضون, والتي لا أتبناها ولا أؤيدها, والتي تتهم أجهزة الأمن بتدبير ذلك لتحقيق مصالح سياسية من تجييش الناس خلف القيادة السياسية, وإظهار الحاجة إلي تحمل الظروف الإقتصادية لتجنب خطر الإرهاب,وصرف النظر بعيداً عن تردي الأحوال المعيشية إلي أمر آخر ولو لحين, إستناداً إلي تاريخ سابق لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي, والذي تم اتهامه بتدبير حادثة نسف كنيسة القديسين بالإسكندرية, وأتُهِم فيها وقُتِل تحت التعذيب الشاب السلفي سيد بلال, لكن هذه إفتراضات وإتهامات لا أعتقد صحتها, لتغير الظروف والمناخ عن ذي قبل, لكن مالا نستطيع تقبله هو هذه الحالة من السيولة في الأداء الأمني, الذي من المُفترض أنه كان في حالة إستنفار, فهي فترة أعياد للمسيحيين, وهم مُستهدفين, والحدث تكرر قبل ذلك, فالمتوقع حدوثه مرة أخري, والأصل الوقاية والتشديد في الدخول ونشر الكاميرات وأجهزة التفتيش علي المداخل, لكن أن يتم الاختراق بهذه السهولة, فهذا لا يكفيه إقالة مدير أمن الغربية’بل الأمر أكبر من ذلك,ويستدعي إعادة النظر في المنظومة الأمنية برمتها, يبقي السادة المُنظِرون والجالسون علي موائد الفضائيات ليضعوا الحلول المُصطنعة والمتكلِفة, ويُفتون في كُل شئ, وأي شئ عملاً بنظرية الأواني المُستطرقة, حيث ينفذ السائل من أنبوبة إلي أخري دون فواصل وبشكل ينتفي فيه التخصص والخبرة, هؤلاء عليهم أن يكفوا عن الناس شرهم , ويحتفظوا بآرائهم التي تؤخر ولا تدفع للأمام لأنفسهم فقد ملّ الناس من تنظيرهم ومن حلولهم الباليه العقيمة!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف