جريدة روزاليوسف
مديحة عزت
ذكرى الحبايب حب

أولاً هذه الأبيات من الشعر إلى سيدة الصحافة أستاذة الأساتذة «فاطمة اليوسف» تحية ذكرى رحيلها الـ«59» التى رحلت عن عالمنا فى العاشر من أبريل عام «1958».
هذه الأبيات كتبها الدكتور سعيد عبده لميلاد مجلة «روزاليوسف» التى كانت رحمها الله تعتبره عيداً لميلادها..
دنيا الصحافة يا روزا انت باريزها
وانت الصبية الحلوة من عواجيزها
غنى القلم يوم ميلادك والورق زغرط
يا مدرسة كلنا كنا تلاميذها
وإلى روزاليوسف الفنانة والصحفية يقول عمنا «بيرم التونسى» هذه الأبيات:
وروزا تمثيلها الفنى
يملا عينى ضى
وعظمى يتفكك منى
لما تكتب واقرأ فى الجرنال
والكلمة من روزاليوسف
تنضرب فى الأمثال
رحم الله الجميع ومن الذكرى تزاحمت الذكريات مع أستاذتنا العزيزة الست «روزاليوسف» كما كانت تحب أن نناديها تعيد لذاكرتها أيام الفن، وقبل أن أدخل فى الذكريات مع عظمة الصحافة التى لم أحب بعد أمى أما غيرها.. كانت تحكى لى هذا كانت ترتاح لى وأرتاح معها.. كنت التقط ما تريد أن تقول قبل أن تنطق.. كانت تحكى لى كل هذا التاريخ وكانت تنادينى بيا تلميذاتى النجيبة.. علمتنى الكثير واختصتنى بأدق أسرارها وذكرياتها.. كانت ترتاح وتسعد كثيراً فى إعادة الماضى.. كانت رحمها الله تقول لى من لا ماض له ليس له مستقبل.. ماضى الإنسان تاريخه الذى يستفيد منه المستقبل.. كانت تطلب منى الاحتفاظ بكل ورقة مكتوبة حتى لو كانت كارت معايدة.. كانت تقول كل كلمة لها وقت ترجع لها عند اللزوم حتى من باب الترحم على كاتبها.
وكانت تقول «حاسب ضميرك قبل أن تحاسب جيبك».. ونرجع لصاحبة السيرة العزيزة «فاطمة اليوسف» سيدة المسرح والصحافة فى أهم زمن من تاريخ مصر الحديث.. وتحكى لى وتصل فى الذكرى إلى يوم جاءت بصندوق به أوراق وقالت لى احتفظى بهذه الأوراق حتى تسلميها «لإحسان» فى الوقت المناسب.. ولما سألتها متى الوقت المناسب.. قالت بعد عمر طويل يا عبيطة.. ولما وجدت التأثر على وجهى وأنا أقول لها بعيد الشر قالت كلنا هنموت.. لكن هناك فرق بين ناس تموت وتنتهى وناس زيى تموت وتعيش بسيرتها وتاريخها.
عزيزى القارئ هل وعيت الحكمة!!
ولما قلت لها طيب ليه عايزانى أعطيه هذه الأوراق بعد الوفاة.. قالت يا فالحة لو أخذها وأنا أمامه لن يهتم أما بعد الوفاة فسيهتم ويحتفظ بها وينفذ وصيتى وفعلاً أعطيتها له بعد الوفاة وعادت تحكى عن ميلادها.
وكان من بين الأوراق شهادة ميلادها الأصلية التى تقول إنه فى عام «1888» ولدت طفلة جميلة فى مدينة طرابلس بلبنان من أبوين مسلمين أطلق عليها اسم «فاطمة» وقد ماتت أمها السيدة جميلة بعد ولادتها وسافر والدها «محمد محيى الدين اليوسف» التركى الأصل وتركها عند الجيران مع مربيتها حتى يباشر أعمالها ولما كان الجيران «أقباطاً» وكان اسم «فاطمة» نشازاً فى وسطهم فقد كانوا ينادونها باسم «روز» والتى احتفظت به عندما بدأت العمل فى المسرح وهى ما زالت طفلة فى السابعة من عمرها والتى بدأت بثلاث كلمات فى مسرحية «نابليون» حتى بلغت قمة المسرح وانتهت بلقب «سارة برنار الشرق» ولقب «سيدة المسرح العربى روزاليوسف» اسم الشهرة لسيدة الصحافة والفن «فاطمة اليوسف» لتبدأ وتحكى لى أن مربيتها قالت لها كل هذا وتصل إلى حياة وأمجاد سيدة صنعت لنفسها ومن نفسها سيدة فى كل مجال وعلى كل مجال تعمل فيه.. حتى جاء اليوم الذى أصدرت فيه العدد الأول من «روزاليوسف» المجلة التى كانت تعتبره عيد لميلادها.
هذا قليل من ذكريات كثيرة عرفتها منها وعايشتها مع ذكرياتها الكثيرة.. أما ما رأيته منها شخصياً أنها كانت عبارة عن مجموعة من المتناقضات لا يمكن أن تجتمع فى شخص واحد فهى فى عملها عنيفة عاصفة صوتها الرفيع يرتفع ليزلزل مكاتب المحررين وعنابر المطبعة قوية إلى حد القسوة وجريئة إلى حد التهور لا تخفى رأياً صريحاً ولا توارى غضباً ومع ذلك كانت صاحبة قلب طيب ينشر الحب والسلام بعيداً عن العمل هادئة عطوفة حنونة خيرة تساعد أولاد وعائلات كل من كانوا يعملون معها فى المسرح.. كانت تأخذنى كل شهر لتوزع عليهم الشهرية.
وأذكر أننى رأيتها تبكى مرة عندما كنا نزور أستاذنا إحسان فى المعتقل عام «1954» وبعد الزيارة تركناه فى السجن وبكت وقالت لى كأنها تعتذر عن ضعفها أنا أم كأى أم خارج المجلة وتحكى وأذكر عن قوة بصيرتها يوم أحداث مارس عام «1954» ورفع الرقابة عن الصحف قالت «لإحسان» أنا لا أمنعك من الكتابة ولكن عايزة أقول لك إن رفع الرقابة كمين فاعمل حسابك. وفعلاً اعتقل «إحسان» ثلاثة أشهر على ثلاث مقالات أهمها «الجمعية السرية التى تحكم مصر» وتحكى عن يوم أمم الرئيس جمال عبدالناصر «قناة السويس» قالت لأستاذنا إحسان أمامى.. يكون فى علمك لو نجح جمال عبدالناصر فى تأميم قناة السويس.. وتمت على خير يا إحسان سيؤمم جميع مرافق الدولة والجرائد والصحف والمجلات حتى الأتوبيسات لن يتركها وضحك إحسان وقال يا ست.. وطبعاً حدث هذا ولكن بعد وفاتها والغريب أن يوم تأميم الصحافة كان يوم تأميم الأتوبيس!!
والذكرى والذكريات كثيرة والأيام مهما طالت قليلة والمكان لن يتسع لكل ما عندى مع هذه السيدة العظيمة «فاطمة اليوسف» واسم الشهرة «روزاليوسف» ومعلمنا وأستاذنا «إحسان عبدالقدوس» إلى صاحبة الذكرى سيدة الصحافة فاطمة اليوسف التى صادقتها وصاحبتها كما لم أصاحب أحداً قبلها أو بعدها.
هذه السيدة لقد كانت سيدة قدت من حدى.. لقد كانت سيدة صيغت من الرأفة والحنان.. لقد كانت مخلوقاً صلباً وناعماً.. وأخيراً إلى صاحبة هذه الذكرى التى أراها فى منامى مع أمى وأبى والحبايب والأصحاب والزملاء وأستاذنا إحسان فى رحاب الله وأدعو لهم بالرحمة والغفران.. مع هذه الأبيات من رباعيات «الخيام» عمر الخيام يقول:
يا ترى كم فيك من جوهر
يبين لو ينبش هذا التراب
قد عصف الموت بهم فانطووا
واحتضنوا تحت التراب
نفسى خلت من تلك الصحاب
لما غدوا ثاوين تحت التراب
وإليكم الحب كله وتصبحون على حب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف