المساء
مؤمن الهباء
من شويقة للركايبي
كل رجال الجيش والشرطة الذين يواجهون الإرهاب الأسود أبطال شجعان.. من قضي نحبه منهم ومن ينتظر.. كلهم فدائيون لا يهابون الموت.. نذروا أنفسهم لنصرة الوطن ورفع رايته عالية خفاقة.. وضحايا الإرهاب من المصريين جميعاً شهداء عند ربهم يرزقون.. الأبرياء الذين قتلوا في سيناء أو في الكنائس والمساجد بغير ذنب سوف يتقبلهم ربهم بقبول حسن إن شاء الله.. الدم المصري كله واحد.. والدم المصري كله حرام.. لا فرق بين مسلم ومسيحي.. ولا أبيض وأسود.
"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".
ومع احترامي وتقديري لكل من ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن.. وكل من سالت دماؤهم الزكية علي أرض مصر في هذه الجرائم الإرهابية الدنيئة.. إلا أنني أتوقف كثيراً أمام معني البطولة والشجاعة والفداء الذي جسده الرائد عماد الركايبي أحد رجال الشرطة الخمسة الأوفياء الذين كانوا علي رأس قوة الحراسة في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية واستشهدوا أثناء الانفجار الانتحاري.. والأربعة الآخرون هم العميد شريف الحسيني والعميد نجوي الحجار ـ أول شهيدة للشرطة في المواجهة مع الإرهاب ـ والرائد محمد رفعت وأمين الشرطة أحمد إبراهيم.. الله يرحمهم جميعاً.
والرائد الشهيد عماد الركايبي هو الذي تشكك في الإرهابي حامل الحزام الناسف.. وهو الذي اكتشفه وأدرك خطورة الجريمة التي دبر لها.. ودون أن يفكر احتضنه بسرعة ليمنعه من الاندفاع الي داخل الكنيسة وهو يعلم أنه ميت لا محالة.. لكنه آثر أن يفتدي بنفسه جمهور المصلين الأبرياء المحتشدين داخل الكنيسة ومعهم البابا تواضروس.. فنال شرف الشهادة.. وسجل بدمه الطاهر أسمي معاني البطولة.
أتوقف أمام هذه الروح الشجاعة التي لا تظهر إلا في لحظة الاختيار الحاسم فتكتب لصاحبها المجد والخلود.. فمن لا يهاب الموت توهب له الحياة.
ولو أنه تنحي بنفسه بعيداً أو هرب من المواجهة فلربما نجا من الموت المحقق.. لكن عدد الضحايا كان سيتضاعف.. كما أن خسائر مصر المادية والمعنوية كانت أيضاً ستتضاعف.
هذه البطولة التلقائية للرائد عماد الركايبي أعادتني مباشرة إلي البطولة المدهشة للجندي المصري البسيط محمد أيمن شويقة ـ الشاب اليافع النحيل ـ الذي افتدي كتيبته بنفسه من هجوم انتحاري مشابه في العريش أواخر ديسمبر 2015 هل تذكرونه؟!
لقد سارع هذا الجندي "مجند" محمد أيمن شويقة "دبلوم صنايع" الي احتضان الإرهابي الملغم بالحزام الناسف وينقذ رفاقه وضباطه من الموت.. ويحمي سمعة وطنه وجيشه وأهله من تشويه الإرهاب الأعمي الذي لا يعرف غير الخراب والدمار.
كلا الرجلين ـ الرائد الركايبي والجندي شويقة ـ قدم روحه فداء لوطنه وأهله باختياره.. وبطاقة حب نادر.. وأعطي لشبابنا نموذجاً فذاً للفداء والعطاء.. كلاهما لم يفكر في نفسه.. ولا في مستقبله.. ولا في أسرته الصغيرة.. وإنما فكر في مصر العظيمة وأهلها.. في الأمانة التي في عنقه.. والقيمة الإنسانية التي يحملها في داخله.
كلا البطلين راهن علي الوطن وعلي الشهادة وكسب الرهان.. صعد إلي أعلي سماء.. واستقر في أعلي مكانة.. المكانة التي يغبطهما عليها الزعماء والرؤساء والقادة العظام.
هنيئاً لكما جنة الخلد.. وما أعد الله لكما في الفردوس الأعلي.. وهنيئاً لمصر ما سجلتما لها من شرف عظيم بين الأمم.. وما قدمتما لشبابها من قدوة حسنة.
ما أروع بلد ينجب مثل هذين البطلين.. الركايبي وشويقة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف