ما بين تفجير البطرسية بالعباسية والمرقسية بالإسكندرية وبينهما مارجرجس بطنطا سقط العشرات من الضحايا والمصابين، بفعل شخوص قرروا
فى لحظة أن ينتحروا! قرروا أن ينهوا حياتهم بكامل إرادتهم، وفى ذات الوقت أنهوا حياة هؤلاء الأبرياء، وكأنهم امتلكوا أرواحهم، وهم من يقررون موعد قتلها!
مع أن الله خلق آدم ونسله ليعمرا الأرض، ويقول فى محكم آياته «يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» سورة الحجرات آية 13. وكان قادرا على خلقهم بلغة واحدة ودين واحد.
وكذلك لم يفوض أحد للتحدث باسمه، فيعطى تصاريح دخول الجنة، أو يقرر من يزج به إلى النار، ولقدسية الحياة التى كرمها الخالق، قال، «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» سورة المائدة الآية 32. لذلك يصبح وجود المتعنتين والمتشددين المفسرين لنصوص الدين على هواهم، كوجود النبت الشيطانى، الذى يستوجب علينا استئصاله حفاظا على سلامة الحياة. نعم ظهر خطاب دينى يحض على القتل و العنف و كراهية الآخر، كانت نتيجته ظهور ما يسمى بداعش وأمثالها، وجدوا الدعم والتمويل اللازم للقيام بعملياتهم الدنيئة، واستطاعوا ضم عناصر من صنوف عديدة من البشر تحت مزاعم واهية، وهم فى الحقيقة أداة رخيصة فى أيدى صناعهم، وقد نجحوا فى زعزعة استقرار بعض الدول، والآن يحاولون النيل من مصر، آملين فى أن يجعلوا سيناء بؤرة للصراع، وعندما فشلوا، اتجهوا لتفجير الكنائس، لضرب اللحمة الوطنية المصرية، لتسود الفرقة بين أبناء الوطن، ورغم كشف الكثير من محاولاتهم الفاشلة من خلال الجهود الأمنية إلا أنهم نجحوا فى المرات الثلاث فى الوصول لهدفهم القذر، ومع ذلك فشلوا فى تفتيت الجسد المصرى الذى أبكى شهداءه، واتخذ دماءهم الزكية وقودا لدحر هؤلاء الخونة.
اليوم لابد من مواجهتهم رغم تخفيهم، بفكر جديد، ولابد أن يعلم القاصى والدانى أننا على قلب رجل واحد، لا فرق بين مسلم ومسيحى، لأن مصر وطن يحيا بكل أبنائه، ومن ثم يجب تغيير مضامين الخطابات الدينية والإعلامية وكذا السياسية.
وهنا يحضرنى سؤال، هل الحياة ملك لصاحبها، فينهيها متى شاء؟ أم ملك لخالقها؟ الاجابة واضحة، هى ملك لخالقها، فهو يقول «فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ» سورة النحل الآية 61. إذن المنتحر خرج عن طاعة الله، فهل هو كافر؟! وبالتبعية مآله النار، أم أن تفجير نفسه وسط الأبرياء عمل يصعب تقديره، ومن ثم لا يجوز تكفيره.
هنا تبرز ضرورة تحديث الخطاب الدينى، موضحا أن الدين لله، لعبادته، وطاعته توجب العمل وفق احترام الحياة التى خلقها، وأنه سبحانه وحده صاحب الحق فى نشأة الحياة ونهايتها دون سواه، خاصة أن مصر تحتضن الأزهر منارة الإسلام، و الكرازة المرقسية قبلة الأرثوذكس فى الشرق الأوسط.
أما الخطاب الإعلامى الذى انشغل بقضايا فرعية وجدالات عبثية، بات عليه أن يتطور واضعا نصب عينيه أننا نعيش الآن فى حالة حرب، مما يستوجب تعبئة الناس وحفزهم صوب التيقظ من مؤامرات الخارج التى تستهدف كيان مصر ومقدراتها، فبعد أن كنا رواد العالم العربى إعلاميا، تفرقنا وتفرغنا للملاسنة وصنعنا هامات غرضها جذب المشاهد للحصول على عوائد الإعلانات، فسمعنا ضجيجا شديدا ولم نر طحينا، أضحينا نشاهد مئات الآلاف من ساعات الإنتاج الفضائى بلا جدوى، فكل يغنى على ليلاه، والنتيجة مخزية!
ونصل للخطاب السياسى، وهو ذو شقين داخلى، معنى بالمصريين، ودائما يركز على مدنية الدولة باعتبارها الثابت الرئيسى فى العمل السياسى المصرى بنص الدستور، لذا عليه أن يوجه بأننا نمر بمرحلة فاصلة فى عمر الدولة المصرية، نكون أو لا نكون، ولنا فى اليمن وليبيا والعراق وسوريا عبرات واضحة، لذا لابد من التكاتف والتلاحم، وبناء عليه أرى أن قرارات الرئيس بإعلان حالة الطوارىء وإنشاء مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب، تعضيد للخطاب السياسى الداخلى، يجب استتباعها بتوحيد الجبهة الداخلية، وهو دور منوط بالأحزاب السياسية التى تخطى عددها المائة، ولا يعرف معظمنا أسماء بضعة منهم لأنهم منفصلون عن الوطن، إضافة إلى الجمعيات الأهلية التى يلهث غالبيتها خلف التمويل الخارجى، ولا نرى للكثير منها فعلا ملموسا فى الشارع لخدمة الناس!
أما الشق الخارجى للخطاب السياسى، أمسى عليه أن يفضح المتآمرين على مصر على كل الأصعدة والمحافل الدولية، وأن يسعى خلف الممولين الحقيقيين للإرهاب لكشفهم، من خلال تكوين تحالف دولى لمن احترقوا بنار الإرهاب مثل روسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها، والدبلوماسية المصرية تملك من الكفاءة والخبرة ما يمكنها لتحقيق ذلك. لأنه حقنا فى الحفاظ على حياتنا التى خلقها لنا الله.
وأخيرا أمن مصر وسلامة شعبها خط أحمر، يحتم على كل وطنى مخلص أن يقدم يد العون لكل الأجهزة الأمنية، حتى لو أدى الأمر لخروج المسلمين لحماية الكنائس بأرواحهم، ليأمن المسيحيون داخل دور عبادتهم، وهذا حقهم علينا، وفى هذا الإطار اتمنى أن يكون عيد القيامة المجيد إجازة رسمية تعطل فيها الدراسة، فلا يعقل أن تستمر الدراسة فى المدارس والجامعات دون حضورهم.