تواصل الفيس بوك الاجتماعي صار سرادق عزاء. تتوالي أنباء الراحلين. تتزاحم. تتباطأ في الذهن. تسرع. تومض. لكنها تقتطع من الوجدان ذكريات غالية: محمد الراوي في جلسته علي المقهي القريب من البحر. ينسج إبداعاته من تاريخ مدينته السويس. وواقعها المثقل بالنضال والمقاومة ضد العدوان الخارجي. والفساد الذي صار ظاهرة دفعت أبناء السويس لأن يكونوا في المقدمة بين جموع المواطنين المطالبين برد العدوان. والقضاء علي تنامي الفساد. الطاهر برنبالي شاعر العامية الجميل. قصائده المعبرة عن هموم الوطن. دعاباته التي تغالب بالضحكات ما يعانيه من آلام المرض. ومن الخوف علي أسرته. والزوجة التي أعطت المثل حين تبرعت بقطعة من كبدها ليواصل حياته. طلعت الشايب يستوقفني عند خروجي من المجلس الأعلي للثقافة. يتجه إلي سيارته. يرفع غطاءها الخلفي. يعود بكتاب: هذه رواية مهمة للكاتب فلان ـ ويذكر اسماً عالمياً ـ ستجد فيها ما يستحق القراءة. يتكرر المشهد في لقاءاته أصدقاء آخرون. لا يكتفي بالترجمة. بل يحرص علي أن يصل الإبداع العالمي بالإبداع المصري من خلال الترجمات الواعية. له. وللآخرين. يطول تأملي لكتاب السيد يس في الصراع العربي الصهيوني. أتعرف إلي حقائق تاريخية وملاحظات تعيد طرح القضية الفلسطينية من بداياتها. والأخطاء العربية التي انتهت إلي الحافة. لقاء المصادفة بسمير فريد ـ الذي أعتبره هو وخيرية البشلاوي. أهم ناقدين سينمائيين في زمن الإطراء المدفوع الثمن ـ أمام مصعد "الجمهورية" في المبني القديم. يعلق علي مساجلة قلمية بين الراحل الكبير رجاء النقاش وبيني عن مسرحية "إرميا" للكاتب النمساوي ستيفان زفايج. وجد فيه رجاء كاتباً نزيهاً. ووجدت فيه عنصرياً يبدل أحداث التاريخ. ويهوم بالخرافات والأساطير البالية. قال سمير فريد بطبيعته الهادئة الدمثة: أشكركما علي هذا الحوار المتحضر. صورة كابتن غزالي تمتد بما لا حصر له من المواقف والألحان التي تتغني ببطولات السويس. كأنها الراية التي يمضي وراءها الملايين من أبناء مصر ـ وليس أبناء السويس وحدهم ـ تحض علي المقاومة. وتبشر بالأمل. الطاهر مكي في جلسته داخل بيته بالدقي. تحيطه آلاف الكتب والرسائل الجامعية. وكومات الصحف والأوراق. والطلاب الذين يسألون. ويسجلون الإجابات. كأن المشهد إعادة لدروس الأزهر في القديم. حين كان الطلبة يفدون ـ تحت أعمدته ـ من علمائه الكبار.
أغادر السرادق. لكن صور الأحباء لا تغادرني. تبطئ في الذهن. تسرع. تومض. تنقلني إلي ذكريات غالية غيبها الموت. تشرق الذكريات في تواليها وتغرب. أستعيد الملامح والتفصيلات. أتلفت حولي. وأنتظر.