سماح صبرى
توقع أسعار النفط عقب الضربة الأمريكية على سوريا
إزاء التوترات الجارية والتطورات الأخيرة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط بشأن الملف السورى، حيث الضربة الأمريكية للقاعدة الجوية العسكرية السورية ردًا على استخدام النظام الحاكم للسلاح الكيميائى ضد المدنيين، اتجهت بعض الآراء إلى القول بأن أسعار النفط العالمي سوف تشهد ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة القادمة. إذ تركت الضربة الأمريكية على سوريا وتنديد روسيا لها انطباعا لدى الكثيرين بأن العالم على وشك الدخول فى حرب عالمية جديدة. وما لبثت أسعار النفط أن ارتفعت عقب تلك الضربة العسكرية ليتجاوز سعر برميل النفط الخام مزيج برنت للعقود الآجلة سعر 56 دولارا قليلا فى نهاية يوم 11 إبريل 2017. وأشارت بعض التوقعات إلى استمرار صعود أسعار النفط إلى حدود 60 دولارا للبرميل أو أكثر. ربما توحي الأحداث المتصاعدة بنوع من التوتر في العلاقات الأمريكية الروسية، لكنى لا أزال على اعتقادي بأن روسيا لن تتخذ إجراءً عنيفا ضد الإدارة الأمريكية أو قواعدها ومصالحها الخارجية، وستكتفى بالتنديد أو دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لبحث الأمر وإثبات حالة! ذلك بناء على كثير من المعطيات الاقتصادية والسياسية التى أراها كافية لعدم المخاطرة وإعلان الحرب بين الطرفين فى الوقت الراهن. فالاقتصاد الروسي يعاني من أزمة مالية حادة ومعدلات نمو متدنية حوالي 0.2% لعام 2016، فضلا عن علاقات سياسية واقتصادية متوترة مع الاتحاد الأوربي. بينما أعلنت بعض الدول الأوربية تفهمها وتأييدها للضربة الأمريكية على سوريا مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والنمسا، إضافة إلى الترحيب من جانب المملكة العربية السعودية، وكذلك تركيا التى ترغب فى التخلص من النظام السوري الحالي رغم تحالفها العسكري مع روسيا بناء على مصالح إقتصادية مشتركة. علاوة على انشغال دولة الصين بملف الأزمة الكورية وحرصها على المصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فمن غير المتوقع تدخلها عسكريا فى أي معارك حاليا بمنطقة الشرق الأوسط. وربما يعود سبب الارتفاع فى أسعار النفط خلال الأسبوع الثاني من إبريل (وهو الارتفاع الذى أراه مؤقتا وعرضيا، وحدوده قد لا تتجاوز سعر 58 دولارا للبرميل) إلى استغلال المضاربين للضربة الأمريكية العسكرية لتحقيق مكاسب مالية وجني الأرباح، وأيضاً تزامن إغلاق حقل الشرارة فى ليبيا مع إعلان أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) عن رغبتهم فى تمديد إتفاق خفض إنتاج المنظمة - الذي تم الإعلان عنه فى 30 نوفمبر 2016 لمدة ستة أشهر - إلى نهاية عام 2017 للسيطرة على الأسعار في ظل مستويات الطلب العالمي المنخفضة وانخفاض حركة التجارة الدولية.
وعلى الرغم من التزام عدد من الدول المنتجة للنفط داخل وخارج منظمة أوبك بحدود الإنتاج المتفق عليها، إلا أن أكثر الدول لم تلتزم بها كلياً رغم تخفيض إنتاجها. ونظرًا لغياب الأرقام الدقيقة والشفافية التامة عن بيانات الإنتاج والاستهلاك والتصدير، فلا يمكن الإعلان بدقة عن حجم الإنتاج والتصدير الفعلي. وهو الأمر الذي دعا منظمة أوبك أمس للإعلان عن مشروع إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية متطورة لتجميع وتحليل وتوظيف وتوثيق بيانات سوق النفط العالمية بفاعلية لضمان قدر أعلى من الشفافية يساعد على المراقبة والتسجيل واتخاذ قرارات سليمة وواقعية. وهناك المزيد من التغيرات العالمية التى تعزز التوقع بعدم الارتفاع فى أسعار النفط كما هو مأمول إلى حدود تفوق 60 دولارا للبرميل خلال الشهور القليلة القادمة، منها على سبيل المثال الاتجاه العالمي الحالي إلى إنشاء محطات الطاقة البديلة النظيفة بعد توقيع 194 دولة على إتفاقية التغير المناخي فى باريس، ودخول بعضها حيز الإنتاج الفعلي. كذلك إعلان وكالة الطاقة الأمريكية عن مستويات غير مسبوقة للإنتاج والمخزونات النفطية، إلى جانب ثورة إنتاج النفط الصخري الأمريكي وزيادة الحفارات المستخدمة إلى عدد قياسي بلغ 824 حفارا فى أول إبريل 2017. كما أعلنت الصين عن خطة استيراد النفط الخام من دول غرب إفريقيا مثل أنجولا ونيجيريا بمعدل 1.48 مليون برميل يوميا خلال شهر إبريل، وتلك المزاحمة فى العرض تأتي من دول خارج منظمة أوبك التى لا تتجاوز نسبة حصتها 35% من السوق العالمي للنفط. خلاصة القول، إن التوترات السياسية حول العالم، والأزمات المالية فى الدول التى تنتهج إصلاحات اقتصادية جديدة، ومشكلة اللاجئين، وانخفاض المعدل العالمي للنمو وللطلب، وبطء حركة التجارة العالمية، وعدم وضوح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، كلها عوامل تشير إلى استمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والتجاري، ومن ثم عدم ارتفاع أسعار النفط العالمي إلى المستوى المأمول للمنتجين. وأن أية ضربات عسكرية أخرى على سوريا سواء فردية أو حرب عالمية -والتى استبعدها- لن تكون سببًا رئيسيا لارتفاع أسعار البترول.