جمال سلطان
فيديو داعش .. والحرب المعنوية
الفيديو الذي بثه تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش عبر الانترنت لعمليات قنص جنود وضباط في سيناء يهدف بالأساس إلى ضرب الروح المعنوية ، سواء للقوات المسلحة أو الشعب نفسه ، واستعراض قوة يوحي بتدريبات متطورة ونوعيات سلاح حديث جدا ومتطور أيضا تستغرب كيف يحصل على مثله ـ من أسواق العالم ـ تنظيم وليس دولة ، كما أن تصوير تلك العمليات والترتيب لبثها لا يخفى البعد المعنوي فيه باعتباره جزء من معركته ضد الدولة ، جيشا وشعبا .
وحسنا فعلت الصحف والمواقع المصرية بالامتناع عن نشر ذلك الفيديو ، كما أعتقد أن بروتوكولات قانونية لمواقع التواصل الاجتماعي وكافة الخدمات والفعاليات المتصلة بالانترنت على مستوى العالم تمنع بث مثل تلك الدعايات الإرهابية ، وهناك دول تحظر ـ من تلقاء نفسها ـ بثه ، كما فعلت تركيا في عمليات إرهابية قام بها داعش أو خلايا لحزب العمال الكردستاني ، فهذا المنع يحرم التنظيمات الإرهابية من استثمار بعض أعمالها لترويج دعايتها أو ضرب الروح المعنوية للشعب المستهدف .
الأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها مصر طوال الأعوام الستة الأخيرة وضعت الجيش في خلاف مع قوى سياسية وشعبية متعددة ، وكان ذلك سببا في توتر العلاقة أحيانا بين قيادات عسكرية وقوى سياسية معارضة ، وهو أمر يستدعي المراجعة وإعادة صياغة العلاقة بما يمنع الشقوق التي يستغلها أعداء مصر في الداخل والخارج ، غير أنه أيا كانت تلك الخلافات أو الانتقادات لبعض الممارسات ، إلا أنها تبقى نوعا من تعددية الرؤى داخل البيت الواحد والأسرة الواحدة والوطن الواحد ، ولكن عندما يتعرض الوطن لخطر إرهابي فادح مثل الذي نواجهه الآن ، فالصورة لا تحتمل التعدد ، ولا تقبل سوى الاصطفاف خلف قواتنا المسلحة التي تخوض معركة لا تقل خطورة أبدا عما خاضته من معارك سابقة مع العدو الصهيوني ، فالمعركة التي تخوضها القوات المسلحة اليوم ضد التنظيمات الإرهابية هي معركة الشعب وليست معركة الجيش وحده ، الجيش يمثل الشعب ودرعه وسيفه في تلك المعركة ، بما يحتم على جميع قوى الشعب ، معارضة وغيرها ، أن تكون حامية لظهر جيشها وداعمة لموقفه في المواجهة ، لأن أي خسارة ـ لا سمح الله ـ في تلك المواجهة هي خسارة لنا جميعا ، وأي أذى من نتائجها سيطال مصر الشعب والدولة قبل النظام السياسي .
والحرب المعنوية إحدى أخطر جوانب تلك المعركة ، خاصة في مواجهة تنظيم إرهابي محترف في الدعاية ومتفوق فيها ، فلا يمكن السماح له بالنجاح في تلك الحرب المعنوية أو تسويق دعايته ، بل يتحتم محاصرته وحرمانه من استثمار عملياته سياسيا أو عسكريا أو تعبويا .
وتبقى مسئولية القيادة السياسية في صياغة رؤية جديدة تتنزه عن سفاسف الأمور ، وتستعلي على الحزازات ذات الطابع الشخصي أو الهامشي والمصالح السياسية ضيقة الأفق ، وينبغي أن تتوقف الممارسات السياسية التي تستعدي قطاعات مختلفة من الشعب بدون أي داع ، وصراعات مفتعلة مع بعض الأحزاب أو تحرش بالإعلام أو اختراع معارك مهينة للدولة وسمعتها مع منظمات المجتمع المدني وخاصة المنظمات الحقوقية ، فتلك المنظمات هي في النهاية دروع للوطن والدولة في مواجهة الإرهاب ، كما أنها تمثل وجه مصر الحقيقي في العالم الجديد الذي يقيم الدول والنظم ومصداقيتها على أساس ميزان تعاملها مع المجتمع المدني ، كما ينبغي وقف العبث السياسي الذي يتحرش بمؤسسات الدولة ذات الحساسية العالية ، مثل الأزهر والقضاء ، فتلك المعارك التي يحرض عليها البعض في أروقة السلطة وأدواتها الإعلامية تمثل جريمة في حق الوطن وإضعاف لجبهته الداخلية ومحض نزعة للهيمنة والانفراد بالسلطة ، على حساب وحدة الشعب وقواه ومؤسساته وبالتالي على حساب المعركة الأخطر والأهم للقوات المسلحة في مواجهة الإرهاب .
لم ينتصر الإرهاب على الدولة أبدا ، لا في مصر ولا خارجها ، ولن ينتصر ، ولكنها معركة استنزاف ، يدفع فيها الوطن الكثير من الدم والمال والأعصاب ، وحماية ظهر قواتنا المسلحة في تلك المعركة التاريخية يستدعي إصلاحا سياسيا وتغييرا حاسما في أداء وحسابات القيادة السياسية التي يدفعها البعض هذه الأيام إلى معارك استنزاف جانبية في الداخل لا تقبل أبدا في مثل تلك الظروف ولا تغتفر .