البركة وحدها كانت تجعل الجنيهات القليلة التي تصل ليد أمي تكفينا وتفيض وببركة دعائها عشنا راضين مطمئنين.
تعلمنا وتخرجنا في الجامعة ومع التفوق كانت بعثة أخ وراء الآخر لاستكمال رسالة علمية في الخارج. اذكر جلسة أبي وتفكيره في مصاريف سفر ومعها أتذكر حكمة أمي وهي تقول معنا ما يكفي.. فأنا أدخر كل شهر من المصروف.. وتناول النقود لأبي وهي تكمل "خد فلوسك ياسي محمد واصرف علي أولادك".
وأكملوا الصرف.. زوجوني وكذلك أختي واخوتي الرجال.. وكان الفرح فرحا وليس حسبة وديونا ومأزقا وأزمة مالية وحالة نكد وضيق. وشقة الزوجية سكناً لا يعرف "الفشخرة". عرفنا هدية الوردة ولم تكن خاتما من الماس. نعم كانت البيوت العامرة.. تحيا بالبركة والدعاء ورضا الله.
سيارة واحدة صغيرة كانت تذهب وتأتي بنا من مدارسنا وجامعاتنا أربعة أشقاء رجال وأنا وأختي. لم نختلف عليها يوماً.. ويتركها الواحد منا للآخر عن طيب خاطر. الآن في البيوت بعدد أفرادها سيارات والمشاوير لا تنجز والكل يشكو. البنزين.. الطريق.. الحوادث.
تغيرنا
تغيرنا.. ما الذي حدث.. اختفت من قاموسنا أو كادت البركة.. وصار دعاء الوالدين بقايا فطرة يمارسها آباء وأمهات ويسمعها الأبناء و"تعدي". فماذا يعني دعاء أب لابن.. وهو يراه يعنف الأم وكيف يكون دعاء رب بيت في نفسه مرض وجشع لا يكفيه جمع.. يستحل ما ليس له.
وما يتربي عليه الطفل في بيته لا يختلف عما يراه في مدرسته ثم جامعته وأيضاً داخل عمله. الكل يلهث وراء مادة لا نستمتع بما لدينا اليوم بعد أن صار الأهم ماذا سيكون الرصيد غداً ومع التهافت علي الماديات تضيع معنويات وتداس معان كان يمكن أن تجعل حياتنا جميلة.. وتتعقد الأمور بفساد ذمم.. ومتي استشري الفساد خلق من حوله نفوسا ضالة. الشريف وسطها تائه أو منقاد إلي فساد. وتتحول المفاهيم إلي زيف.. فالاحترام لم يعد للكبير وإنما صار للثري. لم نعد نتقرب من الحكيم لنهتدي ولكن نتودد للغني لنأخذ. وزدنا حتي فاض بنا الكيل. الآن نشكو بعد أن شوهنا حتي الأديان وتعاليمها السمحة.
طوارئ
ومتي وصلنا لحافة الهاوية لابد من توقف وإعلان حالة طوارئ.. لإعادة إصلاح ولن تثمر إلا بالبدء بالأسرة. وهي الآن تحتاج دعماً من دولة تعيد الفقيرة منها إلي الطبقة المتوسطة ومعني الحياة الكريمة. مع مدد من شاشة صغيرة تحث علي عمل وإنتاج وحياة بشرف والمال الحلال.. برامج ومسلسلات وأغنيات "مال إيه ده لو كان مال قارون كله زايل ولا غير عمايل الخير يا هو.. ينجدونا" منع كل عمل مسف وهابط والشطب علي شعارات الفن للفن.. فنحن في حالة الفن للبناء.. وإعادة المعاني النبيلة.. نشر التسامح.. السلام.. الحياة مع الآخر. وبعد الأسرة تأتي المدرسة.. دربوا المعلم وأحيوا العلم وارفعوا دولتي علي العلم والأخلاق فالعلم وحده ليس يجدي.
والثالثة تطهير أماكن العمل من الفاسدين.. وتولية الأمور لأصحاب الكفاءة.. تدريب كفاءات.. خلق كوادر.. مكافأة المتميز.. كفانا بلدنا التي كلما تقدمت.. تأخرت.
نريد التقدم الذي لا يبتلع في طريقه القيم والمثل.. وينمو علي المادة وباحلم وافتح عنيه علي غنوة للإنسانية والناس سوا بيعيشوها بطيبة وبصفو.. نية.