جريدة روزاليوسف
د. حماد عبد الله حماد
شم النسيم «الحزين»!
حضارة مصر تراكمية فمنذ أجدادنا الفراعنة ثم أجدادنا الأقباط ثم أجدادنا الفاتحين المسلمين والحضارة تراكمت فوق بعضها ويظهر هذا جليًا فى مناطق بعيدة عن القاهرة مثل الواحات البحرية والواحات الداخلة والخارجة، وواحة الفرافرة، وكذلك الأقصر (جمع قصور). فنجد المعبد الفرعونى، ركب عليه كنيسة، ثم بجانب الكنيسة، جاء المسجد، حيث حافظ الفاتحون الإسلاميون على قبط مصر، ومعتقداتهم، ومنازل شعائرهم، ولم يقوموا بمحو أى بيوت من بيوت الله عند الأقباط بل اهتموا بها وهم فى سلطة الحكم. وأخذوا بتوصية رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بأقباط مصر، بل وأوصى قادة المسلمين بأن يأخذوا من مصر جنداً فهم «خير أجناد الأرض» وغيرها من الوصايا الإسلامية العظيمة التى نسجت حضارة شعب مصر ونسجت قوامه وتركيبته الأيكولوجية والجغرافية والتاريخية. فمصر المحروسة هى أرض «الكنانة» وهى أرض المصريين جميعًا «قبط مصر» مسيحيين ومسلمين، و «شم النسيم» عيد فرعونى أخذه أقباط مصر وشاركهم المسلمون الاحتفاء بمجيئه فهو بداية لفصل الربيع فى ربوع المحروسة. ولعل مظاهر هذا العيد (الشعبية) هو «الملانة» «والبصل الأخضر» «والكرات» «والخص» ومع كل ذلك «الفسيخ» «والملوحة» وطبعًا ضرورى يأتى عنصر «الليمون» هى ما تمتلئ به موائد المصريين فى هذا اليوم مع «البيض الملون» والذى أدعو الله ألا نفتقد وجوده فى الأسواق بعد أزمات مفتعلة تعلن عنها أبواق الإعلام المصرى. ويأتى شم النسيم هذا العام وقد مرت مصر بحادثة إرهابية اهتزت لها قلوب المصريين، ودمتَ عيونهم حسرة على حالنا، وعدم رعاية وعناية المسئولين سواء فى المجتمع المدنى أو الكنائس أو المساجد ببعض صغائر الشرر فى العلاقات بين عنصرى الأمة. والاستهتار بهذه الصغائر التى سرعان ما تمسك «بالجاف» من الأشياء كى تبدأ بالاشتعال. ثم نُصَّدْر جهات أخرى لتحمل المسئولية مثل الأمن (الداخلية) أو النظام كله وهذا شىء يتميز بعدم العدالة، حيث المسئولية الاجتماعية لم تكن أبدا هى مسئولية «الشاويش أو الضابط» ولكن إذا حملنا النظام هذه المسئولية فتكون محددة فى الأزهر الشريف والكنيسة المصرية! «وللأزهر الشريف» دور فاعل لم يقم به رغم تكرار و«إلحاح» الرئيس (السيسى) والنابهين من المصريين بتصحيح الدعوة وتحديث الخطاب الدينى وتعديل المناهج الدراسية فى مدارس الأزهر وجامعاته، ورفع ما يدين الإسلام بالتخلف، وهذا بعيد تماماً عن جوهر الدين الحنيف. ولعل تلك التنظيمات والمنظمات، اهتمت فقط فى الآونة الأخيرة بالإفطار معا فى رمضان، وفى تبادل زيارات الود فى المناسبات، وكل ذلك أمام عدسات التليفزيون وكأنهم يقومون بدور فى سيناريو مكتوب « اهترئ»، من كثرة عرضه، وليس هذا هو المطلوب، ولكن المطلوب شىء آخر كان موجودًا قديمًا، ويجب أن نهتم به حديثا، وغدا، وهو تنفيذ وصية سيدنا «محمد» رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بأقباط مصر وكذلك تفعيل المواطنة، كما وردت فى كل المواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر كعضو فى الأمم المتحدة والعودة مرة أخرى إلى «مصر المحروسة» التى دافع عنها ضد كل الغزوات منذ الحملة الصليبية والفرنسية والإنجليزية وضد إسرائيل فى 1973،67،56،48.. المصريون جميعا مسلمين، ومسيحيين كل أقباط مصر. كل سنة وكل شم نسيم وفسيخ وبصل وأنتم طيبين وفى سلام وأمان .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف