عنوان مبهر حملته بعض الصحف الخاصة والمواقع الاخبارية امس عن ضبط ما وصفته بالعصابة الدولية لحرق القمح باعتباره محصولا استراتيجيا بغرض تجويع المصريين.. عيش المؤامرة حيث التفاصيل منقولة من الفيوم مفادها ان التحريات كشفت عن قيام اجانب بشراء القمح من المزارعين ثم حرقه واتلافه وانه تم القبض علي الجناة.. العجيب ان القمح حاليا مازال اخضر ينتظر النضج خلال ايام.. ثم ما هذا الخبل بتصديق شراء محصول لاتلافه؟! وبالبحث تبين ان مسئول عن عشاق نظرية المؤامرة ومحبي الظهور اختلق الحكاية بعد اكتشافه مجموعة مزارعين وتجار يعملون في تصنيع الفريك وتصديره.. وكما هو معلوم في تاريخ المنطقة وكتب الطبخ فإن الفريك ينتج من القمح الاخضر بعد حصاده وتنقيته وتعريضه للنار الخفيفة في صواني علي الافران وانه كان الاكلة الشعبية لاهالي الجنوب في عصور ما قبل توزيع الارز علي البطاقات التموينية.. ومازال الفريك له اعتباره علي المائدة معمرا او محشو به الحمام المشوي والمحمر.
الحقيقة ان المؤامرة الوحيدة في هذا الخبر هي التآمر علي وعي المصريين وحياتهم.. الا اذا تصورنا ان صناعة الفريك في بيوت الفلاحين الصعايدة ومزارعهم صارت جريمة واذا فهمنا خطأ ان هناك تشريعات تحظر اكل القمح الا خبزا.. ومن ثم تكون البليلة فعلاً مؤثماً يستحق العقاب. وتصنيع الكشك عملاً إرهابياً.. وطبعا النتيجة المباشرة لخلية الفيوم هذه هي حرمان بعض المصريين من الارتقاء بمعيشتهم وحرمان الاقتصاد الوطني من تصدير سلعة لها سوق اجنبي يدر قدراً من العملات الصعبة قد يكون صغيرا انما يمكن تنميته بدلا من القضاء عليه.
العالم يتآمر عليناربما.. انما اخطر المؤامرات هو ما نرتكبه في حق انفسنا.