مازال الناس في بلدي يضعون المدرس والطبيب وشيخ الجامع في مكانة عالية.. ويحظي استاذ الجامعة عندهم باحترام كبير.. ويعتبرونه القدوة الحسنة لأبنائهم وبناتهم.. ولو كان هذا الأستاذ سيدة فهي في نظرهم الدكتورة العاقلة الرشيدة التي اجتمع فيها واكتمل لها العلم والعقل الرشيد.. وصارت النموذج الأمثل الذي يجب أن يحتذي.. كاد المعلم أن يكون رسولاً.
ومازال الناس في بلدي ينظرون إلي الرقص علي أنه "قلة قيمة".. أقصد رقص العوالم و"هز الوسط".. ويضعون الراقصين والراقصات في مكانة متدنية بعيدة عن المكارم والمحامد.. لهم الشهرة والمال.. وهم نجوم الشاشات والحفلات.. الذين جعلوا أنفسهم للفرحة والمتعة.. لكن يظل "هز الوسط" نقيصة.. تتنافي مع كرامة الشخص وتحط من قدره.
لذلك.. لا يمكن أن تكون المدرسة راقصة.. ولا يليق بالأستاذة الجامعية أن تظهر علي الملأ وهي تهز وسطها مثل العوالم.. وإذا حدث وانخرطت في الرقص فرحاً بنفسها أو بعزيز لديها فلا يليق أن تتباهي بذلك وتنشر صورها الراقصة علي الفيسبوك ومواقع الإنترنت لكي يراها زملاؤها وطلابها فتسقط في أعينهم.
والقضية في الواقع لا تخص المدرسين وأساتذة الجامعات فقط.. كل الشخصيات العامة التي تقدم نفسها علي أنها قدوة في المجتمع وقادة للرأي العام تفرض عليها مكانتها المرموقة أن تراعي قدراً من الاستقامة في سلوكها العام.. ولا يجوز لها أن تخدش الصورة الذهنية المرسومة لها عند المواطنين.. تستوي في ذلك القاضية والضابطة والصحفية وابنة الزعيم المحبوب ومن شابههن.. كل هؤلاء لا يليق بهن أن ينشرن صورهن الراقصة علي مواقع التواصل الاجتماعي.. ولا تخرج عن محيط الدائرة الأسرية الضيقة.
لسنا بصدد حديث ديني يتعلق بالحلال والحرام.. فهذا حديث مقلق ومثير للمشاكل والاتهامات.. وإنما بصدد حديث عن اللياقة الاجتماعية.. ما يتقبله وما لا يتقبله.. ما تقره اللوائح والقوانين وما لا تقره.
وقد أوضح الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن الجامعة جزء من أخلاق المجتمع.. وأن قانون الجامعات يحاسب الأستاذ خارج الحرم الجامعي وداخله فيما يخص الآداب العامة.. دون أن يعني ذلك التدخل في حياتهم الخاصة.. من أراد أن يحمي حياته الخاصة فليجعلها خاصة فعلاً وليستتر برقصه عن الناس.. أما من أراد أن ينشر الفاحشة في المجتمع ويجعل من هز وسط أستاذة الجامعة سلوكاً عادياً يتباهي به فاللوائح والقوانين تردعه.
إذا كنا نطالب بأن يكون أساس العملية التعليمية احترام الطالب لأستاذه فإننا نطالب في الوقت ذاته باحترام الأستاذ لنفسه أولاً حتي يكون أهلاً للمهمة المقدسة التي يضطلع بها.
والفساد في مجتمع الجامعة لا يتمثل فقط في المتاجرة بالكتب والمذكرات والدروس الخصوصية والسرقات العلمية وإهمال المحاضرات ولكنه يتمثل ايضا في تسميم البيئة الجامعية بالأفكار والسلوكيات الهدامة وإشاعة الفوضي وتدمير صورة الأستاذ الجامعي وكسر هيبته والحط من شأنه حتي لا يستطيع القيام بالدور المنوط به في بناء أجيال جديدة من الخريجين.
هل تذكرون الأستاذ الملواني الذي جعلوه راقصاً مثل العوالم في مسرحية "مدرسة المشاغبين"؟.. هل هذا النموذج المسخ يصلح لأن يكون أستاذاً؟
الراقصون لا يصلحون أساتذة.. والأساتذة لا يصلحون راقصين أو راقصات.