الأهرام
نيفين مسعد
حماية المستضعفين : من إيران إلى أمريكا
أكد وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون يوم الاثنين الماضى أن بلاده «عازمة على معاقبة كل من يشن هجوما على الأبرياء فى أى مكان فى العالم» ، ومن المفهوم أن هذا التصريح استهدف توصيل رسالة مفادها أن العملية الأمريكية ضد قاعدة الشعيرات العسكرية السورية قابلة للتكرار ليس فقط فى سوريا لكن فى أى مكان فى العالم طالما أن هناك هجوما يستهدف الأبرياء. دع عنك أن هذا التصريح يتنافى مع ما أعلنه ترامب عن أنه سيركز على الداخل الأمريكى ، فإن النفس الذى حمله تصريح تيلرسون يشبه ذلك الذى يميز دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذ ينص فى الفقرة ١٦ من مادته الثالثة علي«تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفى العالم» . ففى واقع الأمر فإن أبرياء الولايات المتحدة لا يختلفون فى شىء عن مستضعفى إيران ، وكما تخيرت إيران مستضعفيها بما يخدم مصالحها كذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية. بين يدّى تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان الصادر قبل عدة أيام ، وفيه تفاصيل وافية عن تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة التى شُكِّلت للتحقيق فى عدوان إسرائيل على غزة عام ٢٠١٤(عملية الجرف الصامد) ، وقد وجدت لجنة التحقيق أنه تم تنفيذ ٦٠٠٠ غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة استُخدِمت فيها ٥٠٠٠٠ قذيفة مدفعية لمدة ٥١ يوما ما أدى إلى «استشهاد ٢٢٥١ فلسطينيا بينهم ١٤٦٢ مدنيا ونحو ثلث المدنيين من الأطفال وإصابة ١١٢٣١» شخصا. وهذه الإحصائية الأممية مهداة إلى الذين احتفلوا بالقصف الأمريكى لقاعدة الشعيرات لأنه انتقم لقتل الأطفال لكنهم لم يلحظوا أن ٤٨٧ طفلا قُتِلُوا فى فلسطين.

وبعيدا عن النموذج الإسرائيلى الذى تأقلم المجتمع الدولى مع واقع أنه فوق القانون، وبالانتقال لسياق شديد الشبه بالسياق السورى وأعنى به الواقع العراقى حيث يشن التحالف الدولى حربا على تنظيم داعش نجد أن المجزرة التى نفذتها قوات هذا التحالف فى ١٧ مارس الماضى وراح ضحيتها العشرات من المدنيين مرت دون رد فعل ينسب بشاعتها ، واستبقت الولايات المتحدة التحقيق فى المجزرة بالتأكيد على نقطتين، الأولى أن القصف جاء بطلب من مجلس النواب العراقى وهذا لا شأن له بالموضوع. أما النقطة الثانية فهى أن داعش «يتحمل المسئولية أيضا» وهذا متوفر بدوره فى الحالة السورية حيث تندس عناصر التنظيم وسط المدنيين . ربما الفارق الوحيد بين مجزرتى الموصل وخان شيخون أن رد الفعل الأمريكى على هذه الأخيرة جاء فوريا وانفعاليا قبل فتح تحقيق فى الأمر كما طلبت روسيا، فكل ما ورد عن المصادر الأمريكية فى هذا الخصوص هو ما قالته سفيرة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة عن أن واشنطن «تمتلك أدلة سرية قاطعة تثبت استخدام السلاح الجوى السورى الأسلحة الكيماوية فى خان شيخون»!!. وهكذا فإن المُهللين لصواريخ توما هوك التى انطلقت بناء على «أدلة سرية قاطعة» لدى الولايات المتحدة عليهم أن يستعدوا لاحتمالات أن تنال بلادهم صواريخ مماثلة بناء على «أدلة سرية قاطعة» أخرى تتوافر قبل التحقيق.

يعيد حديث الولايات المتحدة عن «أدلتها السرية» كتبرير لدفاعها عن «الأبرياء» المخاوف من تكرار كذبة أسلحة الدمار الشامل التى أسالت فى العراق أنهارا من الدماء وما زالت تُسيل ، ويفرض علينا مثله التفتيش عن إجابات لأسئلة كثيرة أثارها قصف قاعدة الشعيرات من قبيل : هل المقصود هو العودة إلى وضع ما قبل معركة حلب عندما كان النظام قد التقط أنفاسه لكنه لم يكن قد حقق انتصارا ملموسا وبالتالى فإن تأديبه يضمن الحفاظ على صيغة لا غالب ولا مغلوب ويطمئن إسرائيل؟ هل تمهد الضربة لإنشاء مناطق آمنة يتقاسم النفوذ فيها الأمريكيون مع الروس؟ هل المقصود القفز على مسار الآستانة والتركيز على مسار چنيڤ؟ هل كانت الضربة «حركة أمريكاني» تشبه التقاط صورة بدون فلاش طالما أن المطار عاد للعمل بسرعة لافتة وانطلقت منه طائرات قصفت مجددا خان شيخون ، لكن فى حالة صحة الاحتمال الأخير إلى أى مدى يمكن أن تخدم هذه الضربة شعبية ترامب بعد أن يتبين أن شيئا لم يتغير وأن ما قيل عن تدمير عشرين بالمائة من السلاح الجوى السورى مبالغة من النوع الثقيل؟ هل أراد ترامب بعث رسالة تهديد لكوريا الشمالية ، لكن ما درجة الحاجة لتلك الرسالة غير المباشرة بعد أن تم نشر حاملة طائرات قبالة سواحل شبه الجزيرة الكورية وهى رسالة شديدة المباشرة والوضوح ؟ هل إيران هى المقصودة ليس بذاتها كهدف لكن بذراعها الحوثية فى اليمن وماذا إذن عن احتمالات استهداف السعودية بصواريخ إيرانية من اليمن نفسه وربما العراق ؟

فى واقع الأمر فإن إجابة هذه الأسئلة ترتبط إلى حد كبير بالتعرف على حدود التنسيق الأمريكى - الروسى بخصوص الضربة الأمريكية ، وسبحان مغير الأحوال فبعد أن كانت روسيا متهمة بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية لإنجاح ترامب هاهى تصبح فى مرمى اتهام أمريكا لها بالضلوع فى مجزرة خان شيخون . فهمنا أن روسيا أخذت علما بالضربة وأنها أجلت جنودها الموجودين فى القاعدة ، لكننا لم نفهم أبدا تفاصيل التفاهم بين الطرفين قبيل توجيه الضربة ولم نعرف هل كان سقوط ٢٣ صاروخا فقط على قاعدة الشعيرات من أصل ٥٩ جرى إطلاقها هو جزء من هذا التفاهم أم لا، لم نُحط علما بتوزيع الأدوار بين الطرفين إن كان ثمة توزيع للأدوار، ولا عرفنا كيف تعاطت دولة كالصين مع خبر اعتزام الولايات المتحدة تنفيذ عمل عسكرى منفرد خارج نطاق مجلس الأمن ولا توصلنا لحساباتها.

رجعت الحرب الباردة بأجوائها الثقيلة وأعادت تذكير أبناء جيلى بتلك المرحلة التاريخية بكل تداعياتها واستقطاباتها . فها هى الولايات المتحدة لا تستبعد تورط روسيا وروسيا تعتبر قضية السلاح الكيماوى تدبيرا أمريكيا، كوريا الشمالية تعلن أنها لن تتورع عن استخدام كل الوسائل المتاحة فى مواجهة التهديد القادم من سواحلها وتؤكد أنها كانت محقة فى امتلاك السلاح النووى، الدول الصناعية السبع تحاول فرض عقوبات جديدة على موسكو ثم تحجم ولو مؤقتا ، روسيا تلغى اتفاق التنسيق مع الولايات المتحدة فوق الأجواء السورية وتتعهد تعزيز الدفاعات الجوية السورية والولايات المتحدة تضع احتمال تكرار ضرباتها الصاروخية على سوريا وروسيا تحذر. وبينما المشهد الدولى على هذا النحو من الخطورة والتعقيد وفيما الأمن الدولى على حافة الهاوية تدشن مجموعة من “العرب “ حملة على مواقع التواصل الاجتماعى تحمل عنوان we love you تتصدرها صورة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف