الأهرام
عبد الغفار شكر
المجتمع المدنى فى مواجهة الإرهاب
الإجراءات التى اتخذها مجلس الدفاع الوطنى بعد احداث تفجير كنيستى طنطا والاسكندرية لا تكفى وحدها رغم اهميتها لمواجهة الارهاب الذى تتعرض له مصر وظاهرة التطرف والتعصب الدينى التى انتشرت فى السنوات الماضية بشكل يدعو للقلق لما ترتب عليها من ظواهر سلبية بما فى ذلك هذه الاحداث الارهابية. ان اعلان حالة الطوارئ وتشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الارهاب والتطرف يغلب عليهما الطابع الامنى الذى لا يكفى وحده للقضاء على الارهاب والتطرف. فما نواجهه له ابعاد اقتصادية اجتماعية ثقافية وليس فقط مجرد تهديد للامن، فهناك بيئة مواتية للتنظيمات الارهابية لتجنيد الشباب من الأحياء العشوائية ومن الفئات المهمشة ومن الذين لا يجدون المستوى الاجتماعى اللائق، حيث تتزايد فى مصر فى الـ 40 سنة الاخيرة الأحياء العشوائية التى تستوعب ملايين المواطنين الذين لا يجدون المسكن الآدمى ولا العمل المنتظم ولا الدخل الثابت فضلا على انتشار الأمية والجهل، كما ان ظاهرة البطالة التى لا تجد حلولا فعالة تلعب دورا فى تهيئة البيئة التى ينشط فى ظلها المتطرفون وتتصاعد اعمال العنف والارهاب. واذا كانت هناك اطراف خارجية تمول الارهاب وتقدم للمنظمات الارهابية فى الداخل الدعم اللوجستى والخبرة والافراد فإن ذلك لا ينفى ان الاوضاع الداخلية التى اشرنا اليها هى الاساس فيما نواجهه من ارهاب وان هذه العوامل الخارجية هى عوامل مساعدة.

من هذا كله فإن الحاجة الماسة لتغيير هذه البيئة المواتية لانتشار الارهاب والتطرف والتعصب الدينى الى بيئة مناهضة تتطلب قيام المجتمع المدنى بدور اساسى لتحقيق هذا الهدف من خلال انشطة اجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية ترفع مستوى معيشة المواطنين وتشيع الاستنارة فى المجتمع وتنشر قيم التسامح والتراضى والاعتراف بالآخر والمشاركة والادارة السلمية للتنوع والاختلاف، والمقصود بالمجتمع المدنى هنا هو مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التى ينشئها المواطنون لتحقيق مصالح افرادها او لتقديم خدمات للمواطنين او لممارسة انشطة انسانية متنوعة مثل الجمعيات الاهلية والنوادى الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية وجمعيات رجال الاعمال والنقابات المهنية والنقابات العمالية. وهذه المنظمات والمؤسسات جميعا قادرة لو عبئت قواها ومارست انشطتها فى كل انحاء المجتمع على القيام بدور فعال فى مواجهة الارهاب والتطرف. يكفى ان الجمعيات الاهلية وحدها تتجاوز 45 ألف جمعية يمارس بعضها انشطة اجتماعية ويقدم بعضها الآخر خدمات متنوعة ثقافية واقتصادية واجتماعية. كما ان النقابات المهنية والعمالية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة وتحافظ على مصالحهم. وتتيح مراكز الشباب والاندية الرياضية والثقافية والاجتماعية لاعضائها فرصة كبيرة لممارسة انشطة انسانية متنوعة. ولو تضافرت جهود كل مكونات المجتمع المدنى فى نشر ثقافة التسامح والاستنارة من خلال أنشطتها المتنوعة فإنها تساهم بشكل حقيقى فى تحصين المواطنين ضد التطرف والاستجابة لمحاولات تجنيدهم للمنظمات الإرهابية وهناك امكانية كبيرة لمنظمات المجتمع المدنى للنهوض بمستوى معيشة الفئات المهمشة وسكان الاحياء العشوائية ومساعدتهم فى ايجاد المسكن الآدمى والعمل المنتظم وادماجهم فى المجتمع وتمكينهم من التعرف على القيم الانسانية الرفيعة من خلال العروض السينمائية والمسرحية فى اماكن اقامتهم وفى مراكز الشباب والاندية. كما كان الحال فى سنوات سابقة حيث كان يتاح لمثل هؤلاء المواطنين ان يكونوا على صلة بالثقافة الانسانية والقيم الايجابية من خلال هذه العروض الفنية والندوات الثقافية.

ويطرح هذا الدور لمنظمات المجتمع المدنى اهمية إدراك رجال الاعمال لمسئوليتهم الاجتماعية بأن يساهموا فى تقديم العون المادى الكفيل بزيادة فعالية انشطة الجمعيات الاهلية والنوادى ومراكز الشباب واذا كنا نعانى من قيام بعض الدول بتمويل الارهاب وتقديم الدعم اللوجستى له بما ادى الى اختراق المجتمع المصرى سواء فى سيناء او فى الوادى فإن رجال الاعمال فى مصر عليهم مسئولية كبرى فى دعم الجمعيات الاهلية خاصة ومنظمات المجتمع المدنى عامة بما يساعدها على القيام بهذا الدور المطلوب منها فى خلق بيئة مناهضة للارهاب والتطرف، بيئة عصية على اختراقها من المنظمات الارهابية او تجنيد ابنائها للعمليات الارهابية، وبدلا من التنديد بالتمويل الاجنبى لمنظمات المجتمع المدنى فإن رجال الاعمال مسئولون عن توفير البديل لهذا التمويل الاجنبى بالمساهمة الفعالة فى انشطة هذه الجمعيات والمنظمات لتمكينها من القيام بمسئولياتها التى اشرنا اليها، وغير خاف ان تحمل رجال الاعمال لمسئوليتهم الاجتماعية فى تحصين المجتمع ضد الارهاب والتطرف هو افضل حماية لأموالهم ومصالحهم وهو ايضا يساعد على استقرار المجتمع بما يوفر افضل الفرص لنمو النشاط الاقتصادى ويساعد على التنمية البشرية التى توفر قاعدة اجتماعية مؤهلة للعمل فى القطاع الخاص كعمالة مدربة وقادرة على المساهمة فى مختلف المنشآت الصناعية والزراعية والتجارية.

واذا كنا ندعو الى قيام المجتمع المدنى بهذا الدور فإنه لا يعفى الاجهزة الحكومية من القيام بدورها فى مساندة هذا الدور سواء بتقديم الامكانات المادية اللازمة لمنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الاهلية للقيام بدورها أو فى تعديل التشريعات والقوانين المنظمة لعملها وإتاحة الحرية لها لممارسة نشاطها فى المجتمع بدون عقبات بيروقراطية او معوقات امنية كما ان هذه القوانين التى تنظم عمل ونشاط المجتمع المدنى يجب ان تكون اطارا عاما مناسبا لإقامة حياة داخلية ديمقراطية لهذه المنظمات تساعد على جذب اكبر عدد من المواطنين لعضويتها.

ان المسئولية جسيمة والعبء كبير ونحن فى مفترق طرق يتطلب من الجميع القيام بمسئولياتهم فى مواجهة التطرف والارهاب وان لم نقم جميعا بالدور المطلوب منا فلا نلومن الا أنفسنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف