بعد أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة البلاد بفترة تساءلت قائلاً: هل سيعتمد على شخصيات الصندوق الأسود الذى تم تصنيعه وإعداده عبر 50 سنة مضت أم أنه سيصنع صندوقه الخاص أم أن الفرصة ستتاح لجميع المصريين ويستغنى عن الصناديق التى تصنعها الأجهزة؟.
عندما قامت ثورة 25 يناير طالبت الجماهير بتغيير النظام، بعض النخب والمسئولين فسروا هذا المطلب، بأن المصريين أرادوا من التغيير، عزل بعض المسئولين بدءاً من الرئيس وحكومته، ولم يدركوا عن عمد أو عن سوء تقدير، أن الشعب كان يريد «فَرْمتة» النظام، وتحطيم الصندوق الأسود الذى تربى وتدرب وتعد فيه الأجهزة بعض الشخصيات لإدارة المشهد بجميع مؤسساته وهيئاته وأحزابه.
والطريف أنه بعد تنحى الرئيس مبارك وبالتالى المؤسسات التابعة له، فوجئنا بمن تولى إدارة المشهد بتشكيل حكومة جديدة جميع شخصياتها ممن تربوا أو تدربوا داخل صندوق النظام الأسود، واعترضت الجماهير على الحكومة وتم عزلها وشكلت حكومة جديدة من نفس الصندوق، ومن حكومة إلى أخرى حتى سلموا البلاد إلى أحد التيارات الموجودة بالصندوق الأسود، وهو جماعة الإخوان المسلمين، وقد جاءوا بمباركة وتشجيع أعضاء الصندوق الأسود الذين شاركوا الشباب والشعب بعد سقوط مبارك، وكان من الطبيعى ألا يذهب المتأسلمون بعيداً وهم يشكلون الحكومة، فقد مدوا أيديهم داخل الصندوق وسحبوا بعض الشخصيات المدنية على المتأسلمة، ومع اعتراضنا قبلنا على مضض أملاً فى أن تسير الحياة المتوقفة وتنهض البلاد، لكن للأسف أثبتت الأيام أن المتأسلمين يحاولون أسلمة المؤسسات والهيئات، وقاموا بالفعل بسحب بعض الشخصيات من تيار المتأسلمين الموجود بالصندوق وأزاحوا بعض زملائهم فى الصندوق من التيار المدني.
فى 30 يونيو فطن الشعب المصرى للعبة، وأصبح على يقين أن هويته قد تنتهك، وأن الجماعة تحاول جرهم إلى عادات وتقاليد وسلوكيات لم يعرفوها طوال تاريخهم، وفوجئوا بما طرأ على المشهد من عنف مفتعل ومبالغ فيه، وشعر كل منا بأنه أصبح غير آمن على نفسه ولا على بيته وأولاده، لهذا مع أول إشارة بالخروج جمعت كل أم أسرتها ونزلت إلى الشوارع، وأعلنوا تمسكهم بهويتهم وديانتهم وخطابهم الدينى السمح، وطالبوا برحيل من انتخبوه رئيساً للبلاد، وقالوا كلمة لم يعرفها القاموس السياسى العالمى عبر تاريخه: كما اخترناك نعزلك.
وتم عزل الرئيس المنتخب، لكن للأسف انتبهت الجماهير إلى أن أعضاء الصندوق الأسود بدأوا يعاودون الظهور مرة أخرى، وبعد أيام بسيطة احتلوا المشهد الإعلامى والسياسى، البعض ظن أنها ظاهرة وقتية وسوف تنتهى بمرور الأيام، لكن الأيام لم تقض على الظاهرة، بل استدعت شخصيات أخرى أكثر قبحاً من الصندوق الأسود.
الأيام تجر الأيام، والشهور تسلم نفسها إلى غيرها والأمر يزداد سوءاً، المشهد عاد بنا إلى أيام الرئيس المتنحى، أبناء الصندوق احتلوا المشهد، بعض العائلات تدير البلاد جيلاً بعد جيل، هل خرجنا فى ثورتين لكى نعود إلى نظام العائلات؟، هل كتب علينا أن نظل أسرى لمن تربوا فى صناديق النظام؟، متى ستتخلى الأنظمة عن الشللية؟.