سكينة فؤاد
عن أحزان مصر.. والطوارئ.. والأزهر
> بدت لي الكتابة مهمة صعبة مع عميق الألم والغضب الذي أحسه مثل ملايين المصريين.. ولكن فَرض الكتابة مشاركة الأهل والأحباب من مسيحيي مصر أحزانهم التي أرجوها معهم أحزانا أخيرة وأن يتجدد احتفالنا معا بأعيادنا الاسلامية والمسيحية ونحن نحاصر ونوقف تمادي الانتشار السرطاني للفكر الضال والمضلل الذي جعل من الدين والفتن الدينية غطاء للمخططات والجرائم السياسية. أيضا فَرص الكتابة اتجاها غريبا في التفكير والتفسير والتحليل يجب أن نحذر منه.. فإن يقع شباب جاهل ومغيب في شراك الفتن الدينية ـ نستطيع أن نتفهمه ولكن أن تنقاد نخب وشخصيات محترمة من مسلمين ومسيحيين ـ فهذا خطر يجب أن ننتبه إليه وأن يصل الأمر إلي تبادل التكفير بين الجانبين؟! فنحن ننقاد إلي الشرَّك اللعين.. فلنترك الدين لله.. وليكن الوطن والمواطنة للجميع.. ولنكف عما يأخذنا إلي طريق المهالك وتحقيق المخطط الشيطاني الذي فشلت جميع محاولات تحقيقه عبر تاريخها الطويل والعميق.. تقسيم مصر علي اثنين.
> ما أكثر التساؤلات المعذبة في المشهد الوطني.. وبعد توالي كشوف وزارة الداخلية عن مرتكبى الجرائم الارهابية وتصدر أبناء محافظة قنا لهم. ومع تقديري لإيجابيات كثيرة في الوصول إليهم وثقة بما سيتم بسرعة من معالجات لسلبيات أمنية!! وكيف استطاع إهمال عشرات السنين للتنمية البشرية وانتشار للفقر والتخلف والمرض أن يحول محافظة مثل قنا تمثل الضلع الغربي لمثلث الصعيد الذهبي وشرقه البحر الأحمر وشماله سفاجا وجنوبه القصير يصدر الإرهاب والموت والتدمير بدلا من احتضان الحياة والأمل والبشر من خلال استثمار الثروات الطبيعية التي يفيض بها أرضهم مثل الفوسفات والجبس والحجر الجيري والخامات المعدنية كالذهب والحديد والكروم بينما لم تتوقف دعوات اطلاق مشروعات للتنمية الشاملة وإطلاق أكبر مشروع لها في المثلث الذهبي قبل نهاية العام الماضي!! وأذكر بما أعلنه رئيس مجلس الوزراء في ملتقي بالكتاب في نوفمبر 2016 من تزايد نسب الفقر ووصوله إلي نحو 30% في الدلتا و56% بالصعيد واعتقد أن النسب الحقيقية تفوقها!! لا أشك فيما يقود إليه الأوضاع اللا إنسانية وافتقاد العدالة والوعي من نتائج كارثية وإن كنت لا أستند إلي دراسة علمية عن علاقة العوز والظروف القاسية بصناعة الإرهاب والإرهابيين ـ وهناك مواقع تكشف عن استلاب عقول شباب ينتمون إلي ظروف اجتماعية مرفهة.. ولكن لا أنسي تصريح لمحافظ سابق للفيوم التي كانت في مقدمة محافظاتنا الحاضنة للإرهاب.. أنه في استفتاء أُجري في القري التي ينتمون إليها ثبت أنها القري الأكثر فقرا وتراجعا إنسانيا واجتماعيا وثقافيا!!
تصوروا ما آلت إليه أحوال محافظة تفيض بمقومات ازدهار سياحي وتاريخي وثروات طبيعية!!
> في رأيي أن في مقدمة مهمات «الطوارئ» استدعاء عاجل لمستويات أداء قادرة علي بدايات عاجلة لتضميد الجراح الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والإيمانية والثقافية مع ضرورة إجراء قراءات وتحليلات علمية ونفسية أمينة تبني عليها خطط علاج عاجلة لاحتضان الشباب وتوفير اضاءات لعقولهم وأرواحهم واحياء لمقومات الحياة والأمل وصناعة لدوائر الأمان النفسي والعقلي حولهم. وقد لفتني في الأسابيع الأخيرة تصريحات مهمة لوزير التنمية المحلية د. هشام الشريف عن برنامج قومي للقضاء علي الأمية خلال 3 سنوات وخطة لمكافحة الفقر خلال 10 سنوات وتحويل 4470 قرية إلي مناطق مصدرة.. وهو ما أرجو أن يكون قد بدأ بالأمس.. فالواقع وجراحه والميراث الثقيل من الاهمال لم يعد يحتمل ما عشنا عليه من تسويف وممارسات تكتفي بإطلاق الوعود ودون أي مصداقية في الواقع!!.
> تساؤل آخر يفرضه المشهد الوطني.. هل كنا نحتاج إلي كل هذا الدم الشهيد وكل الألم الذي ملأ مصر لنؤمن بحجم الخطر الذي يتهدد بلادنا.. وأن مخططات اسقاط مصر وإلحاقها بما حل بأغلب دول المنطقة لم تتوقف وأن الجماعات الارهابية والخلايا التكفيرية الموجهة والممولة دوليا وإقليميا في مقدمة أدوات المخطط.. أنه لا يحمل وزر الدم الشهيد والألم لهذه الجماعات وحدها.. أيضا كل من أهمل وتلكأ وتهاون في الأداء المسئول عن حشد وتجييش المواجهات الفكرية والشبابية والإعلامية والتربوية والتعليمية والثقافية وبما اضطر الرئيس إلي القرارات التي أعلنها مساء «أحد السعف والألم« هذه القرارات التي أرجو المسئولين عن تنفيذها إدراك الرسالة الأعمق والأهم التي تقف وراءها وهي إبقاء يقظة وانتباه المصريين ومؤسسات الدولة عند أعلي وأفضل مستوياتها وعدم تكرار ما يحدث دائما عقب كل جريمة إرهابية من استعادة لوتيرة الحياة المعتادة وكأنه لا خطر ولا مهددات وعدم اصدار ما أعلن في أثناء الحدث والغضب من ضرورة إصداره من قرارات إتخاذه من سياسات وبما يؤدي إلي انفراط وتبديد أخطر ما تستدعيه لحظات الخطر في المصريين من قدرات مدهشة علي الصلابة والتحدي والصمود والتضحية من أجل بلدهم والتي تتجلي في الملايين التي تتكون منها الأرصدة والظهير الشعبي الحقيقي لمصر.
وبما يعني أن تطبيق قرارات مساء «أحد السعف والألم» وبما تضمه من إجراءات مشددة يجب أن تبقي الجموع المكونة لقلب هذه الأرصدة بعيدا عن تحمل تبعات ألم وتكاليف نفسية وإنسانية فوق صموده البطولي في مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه بلاده وأن تحميه قوانين تطبق بصرامة لحماية حقوقه وحرياته.. فهو المُضار الأول من تمادي المد الظلامي والاجرامي والمستفيد والداعم الأول للانتصار عليه لذلك يجب أن يكون تأمينه النفسي والروحي والاجتماعي والاقتصادي نقطة ارتكاز أساسية لقرارات وسياسات المواجهة.. وألا يكون ما تمر به بلاده حجة وتبريرا لاستمرار سياسات أهملت في أداء واجباتها ومسئولياتها تجاه هذه الأرصدة الشعبية الأحرص علي الحفاظ علي بلدها والأكثر ترحيبا بالقرارات التي تتخذ لحمايتها ـ لذلك يصبح من الفروض الواجبة كيف يكون تطبيق القرارات التي تمثل ضرورة حياة وأمان لمصر في لحظات مصيرية وفي أثناء حرب وجود يرتبط بقوة وبوضوح بما يدعم المشاركة الشعبية ولا يحملها ما فوق طاقتها وكيف تقيم جميع أجهزة الدولة التوازي بين تداعيات الطوارئ وإجراءات التأمين المشددة وما سيتخذه من قرارات المجلس القومي لمقاومة الإرهاب والتطرف ومطالب انضباط الموقف وسد ثغرات الانفلات والفوضي وبين الحفاظ علي ثقة واطمئنان المواطنين ووعيهم ودعمهم لكل ما يُؤمَن بلدهم في هذه اللحظات المصيرية والظروف الاستثنائية. وأثق أنه من البديهيات أن تفرض الطوارئ الحساب والعقاب علي من يتلاعبون بأمن المواطن الصحي والغذائي والحيوي ويواصلون جرائم الاتجار بالأسعار والأسواق والظروف الطارئة التي ستعبرها مصر سالمة بإذن الله.
> أتمني أن يعلو صوت الأزهر وأمامه الجليل بما قرأت من توجهات فكرية في صحيفة صوت الأزهر وما جاء في كلمة العدد للامام الأكبر من إدانات قاطعة للارهاب ولتفجير الكنائس ـ كمخطط إجرامي ملعون لضرب مصر و«داعش خوارج» قتالهم واجب وعما استحدثه الأزهر في مناهجه من مادة للثقافة الإسلامية لتوعية الطلاب بمخاطر التطرف والإرهاب الذى لا يفرق بين مسلم ومسيحى، والأمر العجيب لهذه الجماعات حين ترفع راية واحدة هي راية الإسلام ثم لا تلبث أن يُكر بعضها علي بعض بالتخوين والتكفير والخروج من الملة لتعلم أن القضية برمتها ليست من الدين في كثير ولا قليل وأن المسألة توظيف الإسلام في هذه الدماء.
> كيف نسارع بهذه المواجهات الجادة لإنقاذ واحتواء وتطبيب ما اخترق وضُلل من عقول وأرواح أجيالنا الصغيرة والشابة؟!!.