فيتو
أبو الفتوح قلقيلة
علمانيون ولكن طائفيون !
تعمدت ألا أكتب فورًا عن الحادث الحقير والإجرامي الذي ارتكبه أشباه بشر في حق المواطنين المسيحيين المصريين في طنطا والإسكندرية في يوم أحد السعف الأسبوع الماضى لأسباب عديدة، منها هو حالة الانفعال والغضب التي أصابتنا جميعًا (كمصريين) والتي غالبًا ما تفقدنا اتزاننا النفسى والعقلى وتجعلنا نقيم الوضع بكثير من التهافت المذموم، كما أن الخطاب الإعلامي الأهوج الذي صار يميزنا، ملأ الفضاء الإعلامي صخبًا وضجيجًا وسفه ثم سرعان ما اتخذ منحنى خطيرًا عبثيًا يضر بالوطن أكثر مما ينفع ولكنه غطى بكل أسف على أي محاولة جادة لفهم الموقف وإعادة صياغة الأمور بشكل منطقى وعقلانى.

أولا، اتخذ البعض من هذا الحادث البشع فرصة لا تعوض لمهاجمة الأزهر الشريف كمؤسسة دينية (شبه) حكومية، لن أقول فقط رسمية، لكنه خاضع منذ قوانين هيكلة الأزهر في الستينيات لسيطرة الدولة إما بشكل مباشر أو غير مباشر.. فلم يحدث أن انحاز الأزهر ولو لمرة واحدة، ضد الدولة وضد سياستها العامة.. أو بشكل أكثر دقة، لم يجرؤ الأزهر يومًا على مخالفة النظام أو السير ضده في أي قرار حتى مع صدور قوانين الأحوال الشخصية في عهد الرئيس الراحل السادات وما شابها من لغط فقهى كبير وقتها !

ولكن مع كل ذلك، ومع حالة الوئام والتبعية من الأزهر الشريف للدولة، إلا أن مجموعة النخبة المتهافتة رأت في وقوع هذا الحادث الإجرامى فرصة مواتية للنيل من الأزهر خاصة ومن الدين عامة.. وكأن من قام بهذا الفعل الإجرامى الوضيع يعرف الله أو له دين أو يأخذ منه ويرد عليه.. ساوى هؤلاء المتربصون بين همجية هؤلاء وسماحة الدين الذي علمنا جميعا أن من قتل نفسا بغير حق فكـأنما قتل الناس جميعا وأن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا!! لكن يبدو أن الغل غالب والحماقة مسيطرة والنفاق متغلغل في النفوس لدرجة المزايدة على الدين وعلى من يمثله رسميا في مصر وهو الأزهر الشريف !

يا عم دى حرب على الدين !
أعطى هؤلاء الحمقى، ومنهم من كان لوقت قريب جدا يتمسحون في مرجعية أحادية للأزهر عندما كان النظام يردد ذلك، الفرصة لتيارات الإسلام السياسي التي تمت إزاحتها من الحكم بعد 30 يونيو 2013 أن تتاجر بالقضية، وأن الخلاف ليس مع الجماعات الإرهابية وفقط، بل مع الإسلام ذاته وأن الدليل على ذلك هو الهجوم على مؤسسة معروف عنها الوسطية ولم يثبت أن أي إرهابى من المشتبه فيهم قد مر من أبوابها يوما!

الحماقة الإعلامية والنفاق النخبوى من بعض "اليسايرجية" المشهورين وأدعياء الليبرالية المصرية على السواء، صب في مصلحة أعداء النظام على عكس مرادهم والذي كانوا ومازالوا دوما يطمعون في التقرب منه، حتى وإن كان أيديولوجيا منقاضا لما يدعون الانتماء إليه، وهذا يكشف الكثير والكثير عن السياسة المصرية التي ماتت منذ أمد بعيد، ليس فقط بحكم قبضة نظام مبارك ومن بعده فقط.. بل من الذين يدعون أنهم رجالها!

شعب الكنيسة وشعب الجامع !
لم يصف أحد من هؤلاء ضحايا الكنيسة بالمصريين بل وصوفهم حماقةً وغباءً بــ(الإخوة الأقباط).. وصف طائفى (إثنى) قميء لا علاقة له بقيم المواطنة والمساواة التي يدعوا إليها أي مستنير أو سياسي على قدر ضيل من الوعى العام.. لم يقل أحدهم إننا جميعا مصريون باللفظ العربى الفصيح وأقباط تاريخيا، بعضنا اعتنق الإسلام والبعض الآخر استمر على مسيحيته فالقبطية ليست دينًا.

بل إن أحدًا من هؤلاء العلمانيين الطائفيين لم ينتقد يوما ألفاظا شائعة مصريا يجب أن تختفى نهائيا من القاموس المسيحى المصرى مثل كلمة (شعب الكنيسة) والتي أفهم جيدًا أنها تعنى تجمع المسيحيين للصلاة.. ولكنها تستخدم في غير محلها وربما تفهم خطأُ من قبل الكثيرين والذين يتصورون أنه بالمقابل هناك شعب للمسجد أو الجامع بينما الشعب شعب واحد فقط وهو شعب مصر التي لم تعرف الطائفية يومًا ولن تعرفها بإذن الله.. لكن هؤلاء الحمقى والمنافقون يدفعونا إليها بغبائهم وتزلفهم الدنيء للسلطة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف