محمد السعدنى
يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي
فلنتاجر في المهاجر ولنفاخر
بمزايانا الحسان..
ماعلينا إن قضي الشعب جميعاً
أفلسنا في أمان..؟
رب ثار رب عار رب نار
حركت قلب الجبان..
كلها فينا ولكن لم تحرك..
ساكناً حتي اللسان.
»نسيب عريضة»
لا أعرف علي وجه التحديد من كان شاعرنا السوري الأصل يقصدهم بهذه الكلمات التي كتبها في أمريكا مهجره الاختياري حين أسس في بدايات القرن العشرين »الرابطة القلمية» مع مجايليه جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة، عبد المسيح حداد، رشيد أيوب،ندرة حداد ووليم كاتسفليس. هل كان يستشرف قادم الأيام السوداء لبلاده الثكلي المغدورة المستباحة، التي تدفع ثمناً باهظاً للرعونة العربية قبل البلطجة الدولية، أم كان يقرأ الغيب وعذبه ماسوف نكابده مع كثيرين من تايكونات محيطنا السياسي العام فارغي الفؤاد، إلا الشبق في المغانم والمناصب، وتايكونات إعلامناخماص العقل بطان الكروش، المتعالين في غير شأن والمتعالمين في غير معرفة أو ثقافة. تري الواحد - الواحدة - منهم وهو يصرخ فينا يعلمنا الوطنية والأخلاق وينعي علينا القعود عن نصرة الوطن الذي يخشي علي دولته السقوط والتفكك ولا يجد من يسنده إلاه حامي الحمي، فتنتفخ أوداجه بالكذب وتكتسي كلماته برطانة تافهة، فلا تملك إلا أن تضحك وتراه متمثلاً قول الشاعر الأندلسي أبو بكر بن عمار وهو يصف الكذبة المدعين حين تتلبسهم البطولة عنوة فيحكون ماليس فيهم: كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
ولا أعرف من وضع في مخيلاتهم المحدودة أن الدولة هشة إلي حد أن يستطيع اقتلاعها أحد أو يهدد كيانها ويفككه أحد. ياسادة هذه دولة راسخة عريقة علي مدار التاريخ ومنذ أرادها الله كنانته في الأرض، ولم تصبح شبه دولة إلا بفضل أفاعيل الهواة من أمثال حضراتكم وحكومات أطفال الأنابيب ومجالسها المهندسة وراثياً علي مقاس المتنفذين من الأجهزة التي لايروق لبعضهم إلا محدودي الكفاءة في كل المواقع، ياسادة الدولة لم تكن ولن تكون أبداً طبقاً من الجيلي مثل عقولكم الخفيفة يمكن لأي أحد أن »يلخبطه ويدلقه». ولا أعرف من أين أتيتم بمثل هذه المقارنات العار التي تؤذون بها مشاعر الشعب الكادح المجهد: إحمدوا ربنا أنكم مش سوريا ولا العراق» أو تقول إحداهن وكأنها خرجت علينا من حواديت أمنا الغولة: »إحمدوا ربنا إنكم عايشين وبتلاقوا عيش تاكلوه»، عيب هذا تطاول وقلة أدب ولا ينبغي أن تسمح الدولة بمثله في حضرة الشعب القائد والمعلم وهو صاحب العصمة والسلطة والشرعية والقرار. هذا ما قاله عنه جمال عبد الناصر، وكرره بشكل أو بآخر عبد الفتاح السيسي، وواجب المساءلة والحساب للحكومات والوزراء والأجهزة والمسئولين.
وأقولها لكم وبكل وضوح وصراحة ليس بين الشعب والرئيس إلا أنتم بغبائكم وممارساتكم وتطاولكم. الشعب انتخب الرئيس وفوضه ويمكن أن يقبل منه أو يرفض، وهذه علاقة الحاكم بالمحكوم كما يؤطرها عقد اجتماعي بمشيئة الشعب يتم تجديده أو عدم تجديده، أما أنتم فلم ينتخبكم الشعب، وليس بينكم وبينه تفويض أو تعاقد، فكيف تستبيحون لأنفسكم ماليس لكم ولا ينبغي أن يكون لكم. أنتم مفروضون علينا والأغلبية منا لا تصدقكم ولا تمثلون لهم فارقاً، اللهم إلا الإضرار بعلاقة الشعب بالقيادة، وأنتم تسيئون لهذه العلاقة كما الدبة التي تؤذي صاحبها.أن يرضي الشعب عن سياسات الرئيس وانحيازاته أو يرفضها أو يطلب تغييرها وتعديلها هذا شأن الشعب والرئيس، فلا يجوز لكم فرض الوصاية علي الشعب ومعايرته والمن عليه، وعلي نواب الشعب أن يحققوا مشيئة الشعب لا مشيئة علي عبد العال ولا شريف إسماعيل وحكومته ولا الأجهزة ومسئوليها.
هذا الوطن ملك للشعب وهو أثبت مسئوليته في النضال من أجله رغم ظروف قاسيه مررت عليه معيشته، بينما أنتم تسوغون لفشل الحكومة وتعايرون الناس. تطلبون منهم التقشف وأنتم ترفلون في بلهنية العيش، تتحدثون عن الوطنية بينما كثيرون منكم ألقوابأنفسهم وضمائرهم لبارونات البزنس ممن أثروا علي حساب الشعب. إنهم يتاجرون بنا وأزماتنا، لكأننا لقطاء أو رعايا وليس مواطنين في بلادنا وأراضينا، ونحن أول من يعطي وأول من يحتمل ويضحي وغيرنا يتربح ويثري. وهل نسينا؟ صندوق تحيا مصر الذي حاربه سادتكم، وهل نسينا من الذي مول القناة بمدخراته البسيطة؟ إنه الشعب الذي فعلها إيماناً بالرئيس الذي توسع ممارساتكم البائسة المسافة بينهما كل يوم.هل تريدون أن تعرفوا ماذا قال عنكم الباحث الفرنسي المعروف »جاك ديبون» في لقائه مع الـ »NN الأمريكية في أعقاب الثورة المصرية الذي نعي فيه حرق المجمع العلمي من بعض الموتورين الأغبياء والإساءة إلي الجيش المصري الذي تحترمه جيوش العالم، قال: »من الممكن أن تدفع لأحدالشبان والفتيات أوبعض الاعلاميين ألف يورو وتطلب منه فعل أي شيء لتدمير هذا البلد الغني بتاريخه، سيفعل دون أي تفكير، إن الإعلاميين والمشاهير هناك يملكون ملايين الدولارات ولا يساعدون مثلا أي مستشفي للفقراء،وإذا وقعت حرب في مصر، هؤلاء المشاهير سيغادرون بلادهم». وإن كنت لا أوافقه علي طول الخط، فليست هذه مصر التي نعرفها ولا هؤلاء هم المصريون، كما لا نعرف من أين أتي جاك ديبون بكل هذه الثقة المتناهية في صدق أطروحته ونفاذها، اللهم إلا أن سمعة البعض منكم تعدت حدود البلد ووصلت للآخرين.
أعلم أن هذا كلام ثقيل وملمسه خشن، لكن ماحيلتنا ونحن نراكم كل يوم تقولون مالا تفعلون، تأكلون مع الذئب وتبكون مع الراعي.