جريدة روزاليوسف
محمد بغدادى
قبل تشكيل مجلس مكافحة الإرهاب!
هذه كلمات من ضمير مصرى موجوع وواعٍ بأبعاد ومخاطر الكارثة المحدقة بنا جميعا.. وصيحة تنبيه من ضمير صحفى نزل إلى الشارع المصرى.. رصد وتابع.. حقق وكتب مئات من التحقيقات والمقالات.. عبر خمسة وثلاثين عاما من المتابعة الصحفية الدؤوبة نشرت كلها على صفحات روزاليوسف وصباح الخير.. بدءًا من اغتيال الرئيس السادات.. ومرورا باغتيال فرج فودة.. ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ.. وتبادل إحراق الكنائس والمساجد خلال أحداث أبوقرقاص والمنيا عام 1991.. ونهاية باستيلاء الجماعة الإرهابية.. على السلطة وتنفيذ خطة التمكين التى تحدثت عنها بالتفصيل عام 2006.. لذلك اكتب هنا هذه الملاحظات قبل تشكيل هذا المجلس.
ففى خطاب قصير.. وعبارات مقتضبة.. ونبرات غاضبة.. ووجه حزين.. أعلن الرئيس السيسى.. بعد تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية.. عن شيئين فى غاية الخطورة والأهمية.. أولهما إعلان حالة الطوارئ.. وهذا ماتم بالفعل على وجه السرعة.. وصدق على إعلانها البرلمان فى جلسة خاطفة فائقة السرعة.. دون الالتفات إلى الملاحظات التى أراد أن يبديها بعض النواب (!)..وتم التصويت.. وجاءت (الموافق) وهذا التسرع غير المبرر.. عيب وليس ميزة.. وكان يجب الاستماع إلى كل الأصوات.. فنحن جميعا فى سفينة واحدة.. وعلينا أن نتناقش بهدوء.. وبلا عصبية أوتعصب.. لكى لا نندم (!).. وثانى شىء تحدث عنه الرئيس هو تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب.. وهذا هو موضوع حديثنا اليوم.. لإبداء بعض الملاحظات المهمة قبل تشكيله.. وتحديد اختصاصاته.. ومهامه.. وحدود سلطاته.. وهل سيصدر بقرار جمهورى من الرئيس اليسيسى نفسه.. أم سيصدر به قانون.
وكل هذا رائع وضرورى وجميل.. ولكن.. تجفيف منابع الإرهاب لن يتم بالمواجهة الأمنية وحدها.. ولا بتجديد الخطاب الدين وحده.. ناهيك عن أن الخطاب الدينى السلفى يرفض غالبية علماء الأزهر تجديده.. فقد استمعت إلى عميد كلية أصول الدين الأسبوع الماضى وهو يهاجم الإعلامية لميس الحديدى بشراسة وضراوة.. تكاد تصل إلى حد الإهانة والشجار(!).. وعلى الطرف الآخر شاهدت شراسة وانفعال الزميل ضياء رشوان فى مواجهة الزميل عماد جاد فى نفس الحلقة (!).. فأيقنت أنه لا مجال ولا مكان لهذا التجديد لدى مثل هؤلاء العلماء الذين يرفضون مبدأ الحوار والنقاش.. وإذا لم تقتنع حاول أن تعيد الاستماع إلى هذه الحلقة.. وترى وتسمع الانفعال الضارى لضياء رشوان.. وهجوم سيادة العميد.. أو استمع إلى أقطاب السلفيين.. من أنصار فضيلية الشيخ الحوينى وبرهامى.. ويعقوب.. وعدد كبير من خطباء المساجد والزوايا فى يوم الجمعة.. وأنت ستدرك تماما إلى أى مدى هم حريصون (بالفعل) على (تجديد الخطاب الدينى!!) .. إذن وقبل أن نبدأ.. كيف يمكننا أن نجفف منابع الإرهاب.. وأقول عن تجربة ميدانية وباختصار.. يجب أن تكون لدينا خطة استراتيجية طويلة الأجل.. وخطة عاجلة قصيرة الأجل.. والخطة القصيرة قائمة على تكوين قاعدة بيانات على مستوى الجمهورية تشارك فيها جميع أفرع أجهزة الجهات الأمنية لرصد وتتبع جميع القيادات المتطرفة والكوادر الكامنة.. الداعمة والمحرضة على التطرف ومن ثم الإرهاب.. وسنجدهم منتشرين فى المصالح الحكومية والمدن الصغيرة والقرى والنجوع.. وذلك بتتبع تدفقات رؤس الأموال الواردة إليهم من الخارج.. أو من الداخل عبر الخارج.. عن طريق تبادل التحويلات.. وإبعاد هذه القيادات عن كل الفئات المستهدفة والمرشحة للرضوخ لقانون السمع والطاعة.. لتجنيدهم.. وسلب عقولهم.. وتغيبهم.. ليكونوا انتحاريين ووقودًا للمعركة نيابة عنهم.. وبدء التعامل مع هذا الملف أمنيا بعناية وحرص من خلال منظور ثقافى وعلمى ونفسى واقتصادى واجتماعى وسياسى.. أما الخطة الاستراتيجية طويلة الأجل.. وهى الأهم فى تجفيف منابع الإرهاب.. وهى خطة كتبتها وتقدمت بها لكل وزراء الثقافة السابقين ولرئيس الوزراء السابق.. وأرسلت نسخة منها لرئاسة الجمهورية.. ولأنها خطة متكاملة مطولة ومفصلة.. فاختصرها هنا بإيجاز: وهى عبارة عن (خطة لتفكيك بنية الفكر الإرهابى) فى كل أرجاء مصر عبر مواقع الهيئة العامة لقصور الثقافة (الثقافة الجماهيرية) التى لديها 575 موقعًا منتشرًا على مستوى الجمهورية.. من خلال مجلس قومى لتنمية الموارد البشرية.. والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. تشترك فيها العديد من أجهزة الدولة والوزارات المعنية ذات الصلة.. وهذه الخطة تستهدف الفئات المهمشة.. كالمتسربين من التعليم الأساسى.. والحاصلين على مؤهلات متوسطة أو عليا ويعانون من البطالة.. فإذا بهم يصبحون الاحتياطى الاستراتيجى لجيش التطرف والإرهاب.. ومن خلال هذه الخطة المحكمة سنجنى ثمارها فورا.. اليوم وغدا وبعد غد.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف