أتصور أن التسريبات الدائرة حول اعلان النوايا بانضمام السودان الى مجلس التعاون الخليجي قد جاء في توقيت حرج لكل الأطراف.. فهو وإن كان يؤسس لتفتيت نهائي لفكرة جامعة الدول العربية التى ماتت بالأساس في نفس لحظة تفويض الناتو بضرب ليبيا، أو بتجميد عضوية سوريا.
فإنه يعيد إلى المشهد التذكير بلحظات انعطاف حرجة في الأمن الاقليمي العربي عرفت تاريخيا بـ "حلف بغداد".. ثم أنه يعيد التساؤل حول جدوى التحالفات السياسية في منطقة شديدة الاضطراب، وجدوى انتهاج سياسات الاقصاء لإعادة تشكيل خريطة القوة العربية فوق جثمان الجامعة العربية التى ظلت لعقود حاملة لواء العروبة في وجه التمدد الصهيوني.
حقيقة الأمر فإن الاعلان عن ضم السودان الى مجلس التعاون، بقدر ما يمثل اضافة بشرية وحضارية لأى تجمع جيوسياسي ، إلا أنه يأتى أيضاً كاشفاً لأزمة عاصفة يمر بها مجلس التعاون ترجع بدايتها الأولى إلى الثورة الايرانية في السبعينات ، وتستمر الى اليوم مع اشتعال الصراع والحروب بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان وليبيا.
السياق الإقليمي الضاغط منذ النشأة على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية دفعها بشكل دوري إلى محاولات إعادة تموضعها الإقليمي بغرض تحسين مكانتها الجيوسياسية وتجنيبها مخاطر التحديات والتهديدات المحتملة ، سواء حدث ذلك لحظة التأسيس عام 1981، أو منذ ثورات عام 2011 وصولاً الى عام 2016 حيث جرى الاعلان وقتها عن جهود لضم المغرب والأردن وربما مصر.
وبتوصيف أكثر دقة فإن المحاولات الخليجية استهدفت من فكرة التوسعة إيجاد فضاء سياسي مشترك يتشاطر أعضاؤه قيم سياسية وثقافية واقتصادية متشابهة وتحديات أمنية مشتركة.
لكن حقيقة الأمر فإن التوسعة لم تعتمد هذا المنهج بالأساس، واعتمدت فقط معيار "العدو المحتمل" كأساس للتموضع الجيوسياسي.. بمعنى أن الصراع مع ايران وليس مع الاستعمار والاستيطان الاسرائيلي هو ما يرسم خرائط التموضوع الجيوسياسي.
ولم يصبح العدو التقليدي لمنظومة التعاون الخليجي هو إسرائيل ، وإنما هى ايران بما تكنه من نوايا عدوانية وطائفية تجاه المنطقة.
والسؤال الذى يفرض نفسه يدور حول النوايا المصرية من الصراع الدائر بين المكون العروبي والفارسي بالمنطقة، وأبتعد هنا عن التصنيف الطائفي بين سني وشيعي ، على إعتبار أن جوهر الصراع في تقديري حضاري وليس ديني ، حتى وإن أجهدت القوى الدولية والإقليمية نفسها لإضفاء الصبغة الطائفية على مكونات الصراع وأطرفه، يبقى الصراع الحضاري هو المحفز للسباق النووى والصدام العسكري الدائر.
والإدراك لطبيعة الصراع سيوفر الكثير من الوقت والجهد والأموال في ادارة سيناريوهات الأحلاف والتجمعات بعيداً عن المظلة الأم وهى جامعة الدول العربية ، التى ظلت فعالياتها حبيسة لعقود في ادارة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، إن لم تكن نشأتها بالأساس قد جاءت لإدارة هذا الصراع دون غيره.
قد تكون المنطقة العربية في احتياج حقيقي الى أشكال من التحالفات والتجمعات لدرء الأخطار ، لكن تحديد الأخطار والأولويات هو الاشكالية الحقيقة بين دول المنطقة .. فالجوع والفقر الاقتصادي ، والجهل والتخلف الحضاري تهديد حقيقي بالانقراض للمكون العربي.
وتبديد الثروات العربية في مزيد من الحروب والقتل والتدمير هو تهديد واستنزاف لمستقبل الأمة وليس لحاضرها فقط.. وهنا فإن مصر مطالبة بالانحياز والتحالف مع أجندتها الحضارية ورؤيتها المستقبلية لمستقبل الدولة المصرية، ثم لدوائر الأمن الاقليمي، وليس المطلوب منها أن تبارك الطموحات العسكرية لدول الاقليم أو مساندة أفكار وبرامج "التموضوع الجيوسياسي" لتحالفات ربما تكون آيلة للسقوط.