في الصفين الأول والثاني الإعدادي كنت أجد صعوبة في التعامل مع مادة الرياضيات التي تحولت بمرور الوقت إلي كابوس مزعج لا أعرف كيف أتخلص منه. حتي جاءني مدرس جديد هو أستاذي "زكريا الجعار".
منذ اللحظة الأولي ومع أول حصة له معنا أدركت أن الكابوس آن له أن ينقشع بل إنني بمرور الوقت بدأت أعشق المادة وأجد متعة شديدة وأنا أطبق النظريات التي تعلمتها في المدرسة علي يد أستاذي بطريقة مبتكرة.
ومن عشقي للرياضيات ـ أو بالأحري لمدرسها ـ قررت الذهاب إلي مجموعة التقوية التي يقدمها بأجر رمزي لمن يحتاجون للمزيد من الشرح. والمفاجأة أنه رفض ورد علي بطريقة تربوية لا أنساها حيث قام بالتصويت بين زملائي إن كنت أحتاج إلي دروس تقوية.
تذكرت ما جري قبل أربعين عاماً تقريباً وأنا أقرأ قصة التلميذ الكفيف "عبدالله سعد" بمدرسة السواني الإعدادية بمطروح والتي وقعت منذ أسبوعين حيث تعرض للسخرية علي يد أستاذه بسبب إعاقته ونتج عن ذلك نوبة ضحك بين زملائه يمكن أن نتصور مدي تأثيرها السلبي علي تلميذ بالإعدادي.
لا أظن أنني بحاجة إلي عقد مقارنة أو توضيح الفارق بين مدرس الرياضيات الذي درس لي يوم أن كان مربي الأجيال يعي دوره التربوي قبل التعليمي وبين مدرس "عبدالله" الذي استغل إعاقته للسخرية منه حتي يضحك هو والتلاميذ الآخرين.
الموضوع رغم سخافته كان يمكن أن ينتهي عند هذا الحد مثل مئات الموضوعات المشابهة ويبتلع "عبدالله" الإهانة مثلما يبتلعها آلاف التلاميذ لكن المفاجأة التي لم يتوقعها المدرس أو المدرسة أن التلميذ الصغير تحلي بالشجاعة ولم يفرط في حقه. بحث عن هاتف المحافظ اللواء علاء أبوزيد واتصل به ليشرح ما حدث.
وكان المحافظ علي قدر المسئولية. لم يهتم فقط بل زار المدرسة لرد اعتباره أمام زملائه الذين سخروا منه وقدم درساً عملياً لما يجب أن يقوم به المسئول.. ولكن مع تقديرنا الكبير لما فعله المحافظ فإن هناك أسئلة مهمة تطرح نفسها:
أولاً: أين وزارة التربية والتعليم.. وهل حققت في الواقعة أم اكتفت بما فعله المحافظ؟!
ثانياً: لماذا يتم وضع تلميذ كفيف وسط مبصرين؟!
ثالثاً: هل يحظي التلميذ غير المبصر بفرص متساوية؟!.. بمعني أدق: هل يتلقي التعليم علي الوجه المناسب كالآخرين؟!
الموضوع في تصوري يحتاج إلي تحقيق موسع ولعلها تكون فرصة لإعادة النظر في طريقة تعليم غير المبصرين.. ولو كان الأمر بيدي لأصدرت قراراً فورياً بإحالة المعلم ـ بطل الواقعة ـ إلي وظيفة إدارية لأنه غير مؤهل لإعداد النشء مع توقيع عقوبة مناسبة تتسق مع الجرم الذي ارتكبه.
ولو كان الأمر بيدي أيضاً لقمت باستدعاء "عبدالله" إلي ديوان عام الوزارة بالقاهرة ليس لإعادة الاعتبار إليه فحسب وإنما لتكريمه كونه تحلي بالشجاعة ولم يتنازل عن حقه وهو سلوك مطلوب غرسه في أبنائنا.
مصيبة سوداء أن يظل مثل هذا المعلم في موقعه بعدما حدث أو أن يكون "مربي الأجيال" غير واع لأهمية الدور أو الرسالة التي يؤديها. رغم أن الوزارة التي ينتسب إليها اسمها "التربية" والتعليم!!
تغريدة:
إذا أردت أن تبني أمة فعليك بالتعليم.. وإذا أردت أن تهدم أمة فعليك أيضاً بالتعليم. فمن خلاله نحدد البوصلة التي نهتدي بها ونحن نخطط للمستقبل.