توصف مصر ـ في كتابات المؤرخين والمبدعين ـ بأنها أم الدنيا. وجد فيها عمرو بن العاص ولاية جامعة تعدل الخلافة. ووصفها نابليون بونابرت بأنها "أهم بلد في العالم". وفي عودة الروح لتوفيق الحكيم. كان المصريون القدماء يؤمنون أن الوادي هو جنة الآخرة. وأن معني الخلود بعد الموت هو العودة إلي هذه الأرض. ثم الموت. ثم البعث إليها مرة أخري. وهكذا. فالله ـ في تقديرهم ـ لم يخلق جنة غير مصر. ويقول الراوي في رواية جميل عطية "البحر ليس بملآن": "في البدء كانت مصر براري مقفرة. وتحط الظلمة علي البحيرات والحشائش. وفي الليل تخرج الحيوانات هائمة علي وجه الأرض. ورأي الإنسان المياه تغرق اليابس كل عام. فأقام الجسور. وشق الترع. واستأنس الخراف والماعز والكلاب. وزرع الأرض. وربي الدجاج. وعرف طحن الغلال". الراوي في "شيء من الخوف" لثروت أباظة يسلم نفسه لرحلة في الزمان والمكان. فيري رمسيس يشيد أمجاده علي أرض مصر. ويري نفسه جندياً من جنود رمسيس. أو جندياً من جنود سيزوستريس. أو وهو ملقي في الحديد والقيود حول يديه وقدميه في زمان قمبيز. ثم الحياة في عهد الإسكندر. فكليوباترا وقيصر وأنطونيو. ثم تهادي الرسالات السماوية. وقدوم موسي إلي أرض مصر. ثم مجئ المسيح. ثم الفتح العربي بقيادة عمرو بن العاص. وما تلا ذلك من الإيمان بالإسلام الذي التحم بالإيمان. بالدين الإسلامي في إطلاقه. ويتحدث المؤرخ سالم في رواية فتحي غانم "تلك الأيام" عن نفسه: "أنا مصري. أكلت طعام مصر. المش والبصل والفجل والفول المدمس. شممت هواء مصر. شممت روث البهائم والحطب. وملأت أنفي عواصف الخماسين. استنشقت عبير الورد البلدي والياسمين. رأيت مصر بعيني. ومشيت في دروبها وأزقتها وحواريها وشوارعها. لعبت في الحقول. وسرت في الصحراء. عانقت أمي والحناء في شعرها. والملس علي جسدها. أفهم لهجة بحري ولهجة الصعيد. مشيت في جنازات. صليت في الزاوية والمسجد. حركت الشادوف. حزنت مع غروب الشمس في الصحراء. سمعت الكروان يردد: الملك لك. رأيت التمساح محنطاً فوق الأبواب. راقبت أبوقردان يملأ الأشجار. كأنه القطن الأبيض. أبوفصادة والغراب وفرس النبي. الفطير المشلتت. والخبز البتاو والشمسي والجلباب الأزرق والفأس. والمساقي والترع. والقناطر الخيرية. والهويس. أغاني الصبا والموال. والناي والأرغول.. إلخ. ويقول حمزة في "قصة حب" ليوسف إدريس: شعبنا ده فيه قوة مقاومة لا يمكن تصورها. قوة مريعة مستخبية ورا السبح والصهينة وضرب الدنيا صرمة. المعني نفسه ـ تقريباً ـ يؤكد شيخ الخفراء. فالمواطن المصري "صعب قوي. يهيأ لك أنه طيب وغلبان. إنما ساعة الجد يهجم بصدره علي الأسد ويكسر زمارة رقبته". ويعلن الراوي "في قصة أباظة.. أوقات خادعة": أحبها "مصر" كما هي. وكما أشتهي أن تكون. بكل ما فيها من متاعب. وبكل ما أرجوه لها من رفعة وسموق. أحب التليفون فيها لا يجيب. ولا يبدأ حديثاً. وشوارعها بما صارت إليه. وأوتوبيسها مليئاً بالبشر متهالكاً. وقطارها وقد علاه الآدميون حتي لا يبين. وأحبها وقد زالت عنها آثار الحروب هذه. وعادت مرة أخري عروس الشرق ومنارته".