الأخبار
عبد الحليم قنديل
إذا سقط بشار
ليس الذين يحاربون بشار الأسد بأفضل منه، وكلهم سواء في ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فلم تستمر الثورة السلمية في سوريا سوي بضعة شهور إلي نهاية 2011، بعدها تحولت القصة إلي حرب أهلية كافرة، أهلكت البشر والحجر، وقفزت بعدد القتلي والمعاقين إلي ما يزيد علي المليون، ودفعت ملايين السوريين إلي الهرب خارج الحدود، وانتهت بملايين آخرين إلي التهجير والفرز الطائفي الداخلي، وحولت سوريا كلها إلي أشلاء بلد كان.
وقد لا يصح تجاهل جرائم بشار، وقد كان يمكنه التنحي من أول لحظة طلب شعبي للتغيير، وكانت سوريا وقتها في تمام عافيتها كدولة، وكانت أرضها موحدة تحت سلطة واحدة، لكن جماعة الحكم فضلت تحطيم سوريا علي استبدال بشار، وهربت إلي الأمام بحرب أهلية طائفية، اختفت فيها صور الثورة السلمية، وصار الاحتكام إلي القتل وحده عنوانا لمرحلة دامية، لم تكن فيها المعارضة المسلحة بأفضل من جماعة بشار، بل نافسته في ارتكاب الجرائم نفسها، وسرعان ما اختفي معني المعارضة من أصله، وانفسح المجال لجماعات إرهاب وحشي لا تبقي ولا تذر، وصارت مراكز الثقل المسلح المعارض لجماعات من نوع »داعش»‬ و »‬النصرة»، وقد غيرت الأخيرة اسمها مرات، وتحمل الآن اسم »‬هيئة تحرير الشام»، وصارت القسمة السورية المسلحة ثلاثية، بين ما تبقي من الجيش العربي السوري، إضافة لثنائية جماعات الأكراد المسلحة و »‬هيئة تحرير الشام»، هذا بافتراض التداعي المتوقع لنفوذ داعش في الشرق السوري، وعاصمته »‬الرقة»، بعد الفراغ من حرب الموصل.
وافترض جدلا أن بشار سقط أو اختفي، فلمن يكون الحكم في دمشق؟، غالبا لن يكون هناك حكم ولا حكومة واحدة، بل عدة حكومات، أبرزها حكومة »‬جبهة النصرة» المتخفية وراء اسم »‬تحرير الشام»، وهؤلاء لا يعترفون أصلا بوجود سوريا، ولا بالدولة الوطنية، ولا بالعروبة، ولا بالديمقراطية طبعا، وليس لهم من وظيفة في الحياة سوي قتل المخالفين في الملة أو في المذهب، والتصفية الجسدية المباشرة للسنة المخالفين والعلويين والدروز والشيعة والمسيحيين، وإدراك هذه الحقيقة هو ما يدعم بشار علي بؤس ووحشية حكمه، ويدفع الخائفين من الذبح للتمسك بوجود بشار، حتي لو كان حكمه مجرد خط علي الرمل، لا يستطيع الصمود بغير إسناد مباشر من روسيا وقوات إيران وحزب الله، فلم يعد بشار حاكما بالمعني الفعلي، بل مجرد عنوان بريد، تريد روسيا وإيران تثبيته، وتريد أمريكا محوه من الخريطة، وإكمال عملية تحطيم سوريا إلي النهاية.
لم تعد القصة ـ إذن ـ أن يبقي حكم بشار أو أن يذهب، بل القصة في بقاء سوريا من عدمه، أو ـ بالدقة ـ كم سيبقي من سوريا التي نعرفها ؟، فخرائط التقسيم صارت مرسومة علي الأرض، غرب سوريا بمدنه الكبري مسجل صوريا باسم بشار، وفعليا في يد الشراكة الروسية- الإيرانية، ويطلقون عليه صفة »‬سوريا المفيدة»، بينما شرق سوريا الصحراوي قليل السكان في يد الأمريكيين، ومسجل صوريا باسم »‬قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية، مع ترك أجزاء من شمال سوريا تحت التصرف التركي، والإبقاء علي ورقة »‬جبهة النصرة» في »‬إدلب» للتصرف بها عند اللزوم، وهو ما لا تمانع فيه روسيا وإيران وجماعة بشار، وتقذف إلي »‬إدلب» بجماعات السنة المهجرين قسرا من غوطة دمشق، وعلي أمل الاتفاق مع الأمريكيين علي تدبير محرقة لاحقة لإدلب و »‬النصرة»، وبعد أن تكون واشنطن قد فرغت من عملية طرد داعش من »‬الرقة»، والمعني ببساطة، أن الحروب في سوريا قد تستمر لسنوات لاحقة، وإلي أن تنتهي عمليات الاستنزاف والإفناء المتبادل.
ولا تسأل من فضلك أين العرب ؟، ولا أين السوريون ؟، فلم تعد قصة سوريا سورية، ولا عادت قضية عربية، والحكام العرب بين واحد من اثنين، فريق ينأي بنفسه عجزا أو انشغالا بمشكلاته الداخلية، وفريق آخر يجمع السفه إلي الثراء، ويضع مئات مليارات الدولارات من ثروات بلاده في خدمة الأمريكيين وجماعات الإرهاب، ويخبئون ذقونهم وراء ستار الحرب ضد إيران والشيعة، ويقدمون لإسرائيل خدمة عمرها بإفناء سوريا، ومحو كيانها، تماما كما فعلوا قبلها في العراق، وجعلوا من أراضيهم قواعد إبرار للغزو الأمريكي، وبدعوي التخلص من صدام حسين، ثم انتهت القصة إلي التخلص من العراق نفسه، وإفناء ملايين العراقيين، ودفع البلد إلي نفق التقسيم والتمزيق النهائي، وهو ما يراد لسوريا الآن من وراء لافتة إسقاط بشار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف