التحرير
أشرف الصباغ
بريطانيا تترجم لروسيا ما تريده الولايات المتحدة
في تصريح مانع جامع شامل، لخَّص وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون واحدة من أصعب المعادلات الدولية في الأزمة السورية. جونسون ترجم أحد أهم جوانب لغة السيناريو الأمريكي بشأن ما يدور في سوريا. وهي لغة لا يفهمها ولا يدرك ما بين سطورها سوى الدول الكبرى ذات المصالح المتشعبة. فقد دعا جونسون موسكو إلى الالتحاق بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن مقابل علاقات مثمرة مع الإدارة الأمريكية والحفاظ على المصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا. وكتب وزير الخارجية البريطاني في مقال نشرته The Daily Telegraph، أنه "بوسع موسكو الانضمام إلى التحالف الدولي الذي يضم 60 دولة والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا مع فرصة بناء علاقات أكثر إثمارا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب". ودعا روسيا إلى العمل على وقف إطلاق النار ومنع استخدام السلاح الكيميائي بما يخدم "تحقيق التسوية السياسية التي من شأنها تخليص السوريين من الأسد. ورأي أن "الروس أنقذوه، وهم قادرون على المساعدة في رحيله عبر عملية انتقالية يمكن التحكم بها، بما يخدم الحفاظ على أجهزة الدولة وإحلال الاستقرار والتعددية في سوريا". قد نختلف أو نتفق مع السياسات الغربية عموما، ومع ما قاله جونسون تحديدا. ولكن الرجل يضع النقاط على الحروف في أمور واقعية وعلى أرض الواقع، ولا يطرح أوهام أو يبيع كلاما. ومع ذلك، فالمسألة ليست بهذه البساطة، ولن تكون سهلة، في حال بدأت مفاوضات حقيقية، وراء الأبواب المغلقة، حول تقسيم النفوذ في سوريا، والبدء في الإعداد لرحيل الأسد. وفي الواقع، فهناك مؤشرات على وجود أحاديث خجولة حول هذا الأمر، ولكن انعدام الثقة يعوق استمرارها وتقدمها إلى الأمام. وفي كل الأحوال، لا تختلف كواليس ودهاليز السياسة الروسية مع ما طرحه ترامب ووزير خارجيته بشأن رحيل الأسد. ويبقى فقط الجلوس خلف الأبواب المغلقة لتقسيم النفوذ ووضع الضمانات، بصرف النظر عن التصريحات الاستعراضية العرجاء التي تطلقها موسكو تحت مسميات مختلفة. صحيفة "كوميرسانت" الروسية نشرت مقالا تحت عنوان (روسيا والولايات المتحدة تجاوزتا قصف سوريا)، كتبه معلقها السياسي مكسيم يوسين عن نتائج محادثات وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيرجي لافروف وريكس تيلرسون في موسكو. المقال في غاية الأهمية، إذ يرى يوسين أنه "يمكننا أن نحكم على نتائج زيارة تيلرسون إلى موسكو فقط عبر المعلومات التي أفصح عنها الوزيران في المؤتمر الصحفي، حيث يمكننا الافتراض أن هذه المعلومات هي الجزء المرئي من جبل الجليد الغاطس في الماء، لأن تفاصيل مناقشة موضوعات محددة في الكرملين بحضور الرئيس بوتين لم يُشر إليها لأسباب معروفة". وينتقل مكسيم يوسين إلى منطقة أخرى في غاية الأهمية ليشير إلى أن "الجزء الرسمي من المباحثات والتصريحات سمح بالحكم على أساس نبرة الكلام على اتجاه المحادثات. وإذا حكمنا عليها استنادا إلى الانطباع، الذي تركه المؤتمر الصحفي، فسنرى أنها كانت عملية، ولم تعكس حالة مواجهة. لقد تجنب تيلرسون التقييمات الحادة لسياسة روسيا، فيما تحدث لافروف بدبلوماسية حتى عند التطرق إلى قصف سوريا. وكوَّن هذا انطباعا بأن الوزيرين أرادا تقليص الأضرار، التي لحقت بالعلاقات الثنائية بسبب الهجمة الأمريكية". مكسيم يوسين هنا يحاول قدر الإمكان التحدث بلغة سياسية – دبلوماسية، لكي يصل بهدوء إلى جوهر عنوان المقال، ومن ثم يخرج بانتصار ما لموسكو، لأنها يجب أن تنتصر حتى في حال "تجاوز قصف سوريا" الذي كان موجها في الأساس ليس إلى الأسد بقدر ما كان موجها ضد روسيا. إن يوسين يرى أن أن لافروف وتيلرسون "نجحا، حيث لم يركز أي منهما على الاختلافات بشأن الأزمة السورية، بل بدلا من ذلك أكدا أن الهدف الرئيس للدولتين العظميين هو القضاء على داعش والإرهاب الدولي. أي بعبارة أخرى، لم تعد مسألة إطاحة الأسد بالقوة مهمة لواشنطن، على الرغم من إعلان تيلرسون أن على الأسد الرحيل مستقبلا، مضيفا أن هذا يجب ان يتم بطريقة بناءة تدريجيا، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح "كل مكونات الشعب السوري". في نهاية هذه الفقرة يرى الكاتب الروسي أن "هذا الكلام يمكن اعتباره نصرا لموسكو في الظروف الحالية". ويضيف: "النجاح الأخر هو عدم سماع كلمة العقوبات، التي طرحها عشية اللقاء بعض حلفاء واشنطن وفي مقدمتهم بريطانيا وكندا في قمة مجموعة السبع الكبار، التي عقدت في مدينة لوقا الإيطالية". هنا نكتشف أنه على الرغم من فهم وإدراك الخبراء والمحللين الروس لطبيعة العلاقة بين موسكو وواشنطن عموما، وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص، إلا أن الأحلام والأوهام لا تفارقهم. وبالتالي، تنتهي تحليلاتهم بتقديرات غير دقيقة، مبنية على تصريحات لم تُقَل، أو على فهم خاطئ لتصريحات تحمل أكثر من معنى، أو على تصريحات تقابلها خطوات عملية معاكسة ومناقضة لها. ولكن يبدو أن هذا يريح الروس ويجعلهم أكثر اطمئنانا، سواء كان ذلك يتعلق بالأزمة السورية، أو بالأوضاع الساخنة حول أزمة كوريا الشمالية، أو تداعيات وتطورات الملف الأوكراني. فالروس في الفترة الأخيرة، يتعاملون مع التصريحات الغربية بطريقة لم تحدث لا في تاريخ الاتحاد السوفيتي، ولا حتى في تاريخ روسيا القيصرية. إذ أنهم يتوهمون كلاما لم ينطق، أو يفهمون التعبيرات على عكس ما تقال، أو يسقطون تصوراتهم وأحلامهم على تصريحات واضحة ومباشرة. ثم يعودون لينتقدوا ما فهموه وما تصوروه. الولايات المتحدة لم تغير سياساتها تجاه روسيا، سواء في عهد ترامب أو في عهد أوباما. وترامب لم يَعِدْ روسيا بأي شئ. ولم تكن هناك أي صداقة بين بوتين وترامب أصلا. كل ما هنالك أن موسكو تطالب واشنطن بالوضوح، وبشرح سيناريوهاته، وبالمزيد من المقترحات والمبادرات. ولكن الأخيرة لا تفعل ذلك، ولن تفعله على الأقل في المرحلة الراهنة. قد يحدث ذلك، ولكن في مرحلة تكون الولايات المتحدة حققت فيها ما تريده على الأرض وفي المحافل الدولية، ونجحت في تثبيت نفوذها. هنا يمكن الحديث والتفاوض لا من أجل تطبيع العلاقات، ولكن من أجل أن تقف الولايات المتحدة على آخر التطورات والأفكار التي تدور في أذهان الجانب الروسي، لتبدأ مرحلة أخرى بخطاب آخر قد يكون مختلفا في الصياغات ولكنه ينطوي على نفس جوهر السياسات. قد بدأت مرحلة إبعاد الأسد عن السلطة. والدول الغربية، بصياغات مختلفة ومتنوعة، تطالب روسيا بإبلاغ الأسد بذلك وإقناعه بجدوى التنفيذ، للحفاظ على ما تبقى من سوريا، ومن أجل خروج آمن للأسد يمكن أن تكون موسكو ضامنة له. وأيضا من أجل ضمان مصالح روسيا من حيث النفوذ، ومن حيث إشراكها في تحديد ملامح السلطة السورية المقبلة، بحيث يتم تفادي السيناريوهين العراقي والليبي. ويبدو أن كل الحوارات الجارية خلف الأبواب المغلقة تدور حول هذه النقاط. بريطانيا تترجم لروسيا ما تريده الولايات المتحدة في تصريح مانع جامع شامل، لخَّص وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون واحدة من أصعب المعادلات الدولية في الأزمة السورية. جونسون ترجم أحد أهم جوانب لغة السيناريو الأمريكي بشأن ما يدور في سوريا. وهي لغة لا يفهمها ولا يدرك ما بين سطورها سوى الدول الكبرى ذات المصالح المتشعبة. فقد دعا جونسون موسكو إلى الالتحاق بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن مقابل علاقات مثمرة مع الإدارة الأمريكية والحفاظ على المصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا. وكتب وزير الخارجية البريطاني في مقال نشرته The Daily Telegraph، أنه "بوسع موسكو الانضمام إلى التحالف الدولي الذي يضم 60 دولة والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا مع فرصة بناء علاقات أكثر إثمارا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب". ودعا روسيا إلى العمل على وقف إطلاق النار ومنع استخدام السلاح الكيميائي بما يخدم "تحقيق التسوية السياسية التي من شأنها تخليص السوريين من الأسد. ورأي أن "الروس أنقذوه، وهم قادرون على المساعدة في رحيله عبر عملية انتقالية يمكن التحكم بها، بما يخدم الحفاظ على أجهزة الدولة وإحلال الاستقرار والتعددية في سوريا". قد نختلف أو نتفق مع السياسات الغربية عموما، ومع ما قاله جونسون تحديدا. ولكن الرجل يضع النقاط على الحروف في أمور واقعية وعلى أرض الواقع، ولا يطرح أوهام أو يبيع كلاما. ومع ذلك، فالمسألة ليست بهذه البساطة، ولن تكون سهلة، في حال بدأت مفاوضات حقيقية، وراء الأبواب المغلقة، حول تقسيم النفوذ في سوريا، والبدء في الإعداد لرحيل الأسد. وفي الواقع، فهناك مؤشرات على وجود أحاديث خجولة حول هذا الأمر، ولكن انعدام الثقة يعوق استمرارها وتقدمها إلى الأمام. وفي كل الأحوال، لا تختلف كواليس ودهاليز السياسة الروسية مع ما طرحه ترامب ووزير خارجيته بشأن رحيل الأسد. ويبقى فقط الجلوس خلف الأبواب المغلقة لتقسيم النفوذ ووضع الضمانات، بصرف النظر عن التصريحات الاستعراضية العرجاء التي تطلقها موسكو تحت مسميات مختلفة. صحيفة "كوميرسانت" الروسية نشرت مقالا تحت عنوان (روسيا والولايات المتحدة تجاوزتا قصف سوريا)، كتبه معلقها السياسي مكسيم يوسين عن نتائج محادثات وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيرجي لافروف وريكس تيلرسون في موسكو. المقال في غاية الأهمية، إذ يرى يوسين أنه "يمكننا أن نحكم على نتائج زيارة تيلرسون إلى موسكو فقط عبر المعلومات التي أفصح عنها الوزيران في المؤتمر الصحفي، حيث يمكننا الافتراض أن هذه المعلومات هي الجزء المرئي من جبل الجليد الغاطس في الماء، لأن تفاصيل مناقشة موضوعات محددة في الكرملين بحضور الرئيس بوتين لم يُشر إليها لأسباب معروفة". وينتقل مكسيم يوسين إلى منطقة أخرى في غاية الأهمية ليشير إلى أن "الجزء الرسمي من المباحثات والتصريحات سمح بالحكم على أساس نبرة الكلام على اتجاه المحادثات. وإذا حكمنا عليها استنادا إلى الانطباع، الذي تركه المؤتمر الصحفي، فسنرى أنها كانت عملية، ولم تعكس حالة مواجهة. لقد تجنب تيلرسون التقييمات الحادة لسياسة روسيا، فيما تحدث لافروف بدبلوماسية حتى عند التطرق إلى قصف سوريا. وكوَّن هذا انطباعا بأن الوزيرين أرادا تقليص الأضرار، التي لحقت بالعلاقات الثنائية بسبب الهجمة الأمريكية". مكسيم يوسين هنا يحاول قدر الإمكان التحدث بلغة سياسية – دبلوماسية، لكي يصل بهدوء إلى جوهر عنوان المقال، ومن ثم يخرج بانتصار ما لموسكو، لأنها يجب أن تنتصر حتى في حال "تجاوز قصف سوريا" الذي كان موجها في الأساس ليس إلى الأسد بقدر ما كان موجها ضد روسيا. إن يوسين يرى أن أن لافروف وتيلرسون "نجحا، حيث لم يركز أي منهما على الاختلافات بشأن الأزمة السورية، بل بدلا من ذلك أكدا أن الهدف الرئيس للدولتين العظميين هو القضاء على داعش والإرهاب الدولي. أي بعبارة أخرى، لم تعد مسألة إطاحة الأسد بالقوة مهمة لواشنطن، على الرغم من إعلان تيلرسون أن على الأسد الرحيل مستقبلا، مضيفا أن هذا يجب ان يتم بطريقة بناءة تدريجيا، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح "كل مكونات الشعب السوري". في نهاية هذه الفقرة يرى الكاتب الروسي أن "هذا الكلام يمكن اعتباره نصرا لموسكو في الظروف الحالية". ويضيف: "النجاح الأخر هو عدم سماع كلمة العقوبات، التي طرحها عشية اللقاء بعض حلفاء واشنطن وفي مقدمتهم بريطانيا وكندا في قمة مجموعة السبع الكبار، التي عقدت في مدينة لوقا الإيطالية". هنا نكتشف أنه على الرغم من فهم وإدراك الخبراء والمحللين الروس لطبيعة العلاقة بين موسكو وواشنطن عموما، وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص، إلا أن الأحلام والأوهام لا تفارقهم. وبالتالي، تنتهي تحليلاتهم بتقديرات غير دقيقة، مبنية على تصريحات لم تُقَل، أو على فهم خاطئ لتصريحات تحمل أكثر من معنى، أو على تصريحات تقابلها خطوات عملية معاكسة ومناقضة لها. ولكن يبدو أن هذا يريح الروس ويجعلهم أكثر اطمئنانا، سواء كان ذلك يتعلق بالأزمة السورية، أو بالأوضاع الساخنة حول أزمة كوريا الشمالية، أو تداعيات وتطورات الملف الأوكراني. فالروس في الفترة الأخيرة، يتعاملون مع التصريحات الغربية بطريقة لم تحدث لا في تاريخ الاتحاد السوفيتي، ولا حتى في تاريخ روسيا القيصرية. إذ أنهم يتوهمون كلاما لم ينطق، أو يفهمون التعبيرات على عكس ما تقال، أو يسقطون تصوراتهم وأحلامهم على تصريحات واضحة ومباشرة. ثم يعودون لينتقدوا ما فهموه وما تصوروه. الولايات المتحدة لم تغير سياساتها تجاه روسيا، سواء في عهد ترامب أو في عهد أوباما. وترامب لم يَعِدْ روسيا بأي شئ. ولم تكن هناك أي صداقة بين بوتين وترامب أصلا. كل ما هنالك أن موسكو تطالب واشنطن بالوضوح، وبشرح سيناريوهاته، وبالمزيد من المقترحات والمبادرات. ولكن الأخيرة لا تفعل ذلك، ولن تفعله على الأقل في المرحلة الراهنة. قد يحدث ذلك، ولكن في مرحلة تكون الولايات المتحدة حققت فيها ما تريده على الأرض وفي المحافل الدولية، ونجحت في تثبيت نفوذها. هنا يمكن الحديث والتفاوض لا من أجل تطبيع العلاقات، ولكن من أجل أن تقف الولايات المتحدة على آخر التطورات والأفكار التي تدور في أذهان الجانب الروسي، لتبدأ مرحلة أخرى بخطاب آخر قد يكون مختلفا في الصياغات ولكنه ينطوي على نفس جوهر السياسات. لقد بدأت مرحلة إبعاد الأسد عن السلطة. والدول الغربية، بصياغات مختلفة ومتنوعة، تطالب روسيا بإبلاغ الأسد بذلك وإقناعه بجدوى التنفيذ، للحفاظ على ما تبقى من سوريا، ومن أجل خروج آمن للأسد يمكن أن تكون موسكو ضامنة له. وأيضا من أجل ضمان مصالح روسيا من حيث النفوذ، ومن حيث إشراكها في تحديد ملامح السلطة السورية المقبلة، بحيث يتم تفادي السيناريوهين العراقي والليبي. ويبدو أن كل الحوارات الجارية خلف الأبواب المغلقة تدور حول هذه النقاط.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف