الصباح
طارق الطنطاوى
الناصر صلاح الدين
من منا لم يشاهد فيلم «الناصر صلاح الدين» أحد أعظم الأفلام المصرية إن لم يكن أعظمها.. هذا الفيلم الخالد الذى استعرض حقبة مهمة من تاريخنا العربى والإسلامى ألا وهى حقبة الحملات الصليبية على القدس.. ولعل أروع ما فى هذا الفيلم هو إعلاؤه للقيم الإنسانية النبيلة، والتى تعتبر من أهم أركان الأديان السماوية.. وكيف لعبت هذه القيم الإنسانية دورًا كبيرًا فى إنهاء الصراع الدينى بين الإسلام والمسيحية أو بين الشرق والغرب فى ذاك التاريخ.. صراع اندلع بسبب معلومات مغلوطة ومدسوسة يقف وراءها بعض المنتفعين مفادها أن مسيحيى الشرق يعانون الاضطهاد.. فما كان من ملوك وأمراء الغرب إلا أن اجتمعوا لبحث الأمر.. وتحت ضغط الطامحين والطامعين منهم قرروا القيام بحملتهم الصليبية بقيادة ملك إنجلترا ريتشارد الشهير «بقلب الأسد».

واندلعت الحرب وشهدت ما شهدت من قتال وخيانات كان أهمها خيانة والى عكا الذى أصبح اسمه مقترنًا بكل خائن منذ ذلك الوقت.. وفى خضم ذلك شاهدنا الجيش العربى بقيادة الناصر صلاح الدين، وهو يضم كل أطياف العرب من مسلمين ومسيحيين.. رأينا عيسى العوام ودوره المؤثر فى الحرب.. رأيناه يقع فى الأسر ثم يقع فى حب الفارسة الصليبية التى مرضته.. رأينا صلاح الدين وهو يؤخر الحرب احتراما لعيد المسيحيين.. رأيناه وهو يقول لقادة جيشه من المسلمين «هل هنأتم أخاكم عيسى».. رأينا حربًا شريفة بين خصمين شريفين يرى كل منهما أنه الأحق برعاية مسيحيى الشرق.. أحدهما بدافع دينى والآخر بدافع وطنى.

وتصل الرسائل الإنسانية التى بثها لنا الفيلم قمتها عندما أصيب الملك ريتشارد وعالجه الناصر صلاح الدين فى مشهد ولا أروع.. وينتهى الفيلم باقتناع الملك ريتشارد أن العرب بقيادة صلاح الدين أولى برعاية مسيحيى الشرق.. وأنهم يعلون القيم الإنسانية والقيم الوطنية فوق أى اختلاف فى الدين.. فالدين لله والوطن للجميع.
لاشك أن الأفلام التاريخية لا تنقل الأحداث التاريخية كما هى بل تضيف إليها أو تنتقص منها لدواعٍ فنية ودرامية.. وسواء كانت أحداث الفيلم متطابقة مع الأحداث التاريخية أم لا، فالأهم هنا أن صناع الفيلم وأبطاله ووراءهم أجهزة الدولة أرادوا أن يوجهوا لنا تلك الرسائل السامية التى توطد وتعمق العلاقات بين أبناء الوطن الواحد أيا ما كانت عقيدتهم الدينية.. رسائل مست قلوبنا ووجداننا فآمنا بها حتى وقت قريب.. رسائل مطلوب منا جميعًا أن نروج لها وننشرها ليس من خلال فيلم سينمائى فقط بل من خلال كل المنابر المتاحة سواء كانت منابر المساجد أو العلم أو الفن أو الأدب أو الإعلام.
لقد كنا نحيا فى سلام لا يؤرقنا سوى العدو الصهيونى القابع على حدودنا .. إلى أن أطل علينا الإرهاب بوجهه القبيح، وأخذ يبث سمومه، ويسعى بكل إصرار لإحداث فتنة طائفية هيأها له خياله المريض.. فمنذ أحداث الزاوية الحمراء التى أشعلوا فيها نار الفتنة فى السبعينات ووصولًا لتفجير الكنائس فى طنطا والإسكندرية التى أدمت قلوبنا جميعًا وقع العديد من الحوادث التى استهدفت النيل من وحدة هذا الوطن.. حوادث استهدفت أن يشعر مسيحيو الوطن بأنهم غير آمنين بما يسمح بتكرار الحملات الصليبية.. لكن ولله الحمد فإن تلك الأحداث لم تزدنا إلا تكاتفًا وتماسكًا وإيمانًا بوحدة وطننا ومصيرنا.
إن دواعش هذا الزمان المفوضين من الشرق والغريب لتخريب الأوطان ستكون نهايتهم على أرض الكنانة بإذن الله كما كانت نهاية أجدادهم التتار.. وستظل مصر آمنة كما ورد فى كتاب الله عز وجل.. وسيظل شعبها وجيشها وقادتها يضربون المثل فى الوحدة.. وسنظل نهنئ أخانا عيسى وبطرس ومينا إلى يوم الدين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف