الصباح
كمال الهلباوى
سر تأخر العرب والمسلمين 3-3
تحدثنا فى المقال السابق عن العلم المغشوش والتدين المغشوش كسبب من الأسباب المهمة التى أوردها الشيخ الغزالى رحمه الله تعالى فى كتابه « سر تأخر العرب والمسلمين». وهنا يقدم الشيخ بعض الإمارات لهذا العلم المغشوش وطبعًا التدين المغشوش.
من هذه الإمارات: «أن نفرًا من العمال والفلاحين فرطوا فى أعمالهم الحرفية، أو الفنية، مكتفين فى إثبات تدينهم بثوب قصير، وروية مشوشة، وحمل عصا حينا، أو ارتداء عمامة ذات ذنب عندما تكون «المشيخة» قد ثبتت لصاحبها..!
ثم يقول الشيخ، وخطرها شديد فإن عملاء روسيا وأمريكا أيقاظ فى محاربة الإسلام، مهرة فى إطفاء صحوته الجديدة! وهم يجتهدون فى إبراز الجماعات المتطرفة والتغاضى عن نشاطها لأنها وجه دميم للإسلام ودعاية حقيقية ضده، وهدم للوحدة، وتسجيل للفرقة! من أجل ذلك يحاربون الفكر المعتدل، أو الإسلام الصحيح، ويطاردون أتباعه على حين يترك هؤلاء الغلاة يثيرون الشبه، ويشعلون حروبًا داخلية تقضى على الإسلام ومستقبله، وذاك سر انتشارهم فى آسيا وإفريقية! إنهم لو نجحوا- قضوا على الإسلام فى مهده بقصورهم العقلى، فليتركوا لتحقيق ذلك!! ونتجاوز حكاية فقه الفروع إلى حكاية أخرى أدهى!.
ثم يقول الشيخ رحمه الله تعالى:
«إن أحوال الناس ومسالكهم تنبنى غالبًا على ما يترجح لديهم من أحكام، وأحاديث الآحاد ثبتت فى الدماء والأموال، والأعراض على هذا الأساس... أما أصول الاعتقاد، وأركان الإيمان فتستمد من نص قطعى الدلالة، قطعى الثبوت، وهذا ما عليه جمهور الأئمة.
ثم يقول الشيخ: « قال الطالب المناقش - وهو سلفى كما ظهر لى-: حديث الآحاد مصدر للاعتقاد! قلت- محاولًا الاختصار-: ليست فى ديننا عقائد تقوم على حديث آحاد! عقائدنا كلها ثابتة بأدلة قاطعة، ولا داعى للجدال! قال الطالب: عقيدة (القدم) ثبتت بحديث آحاد! فرددت كلمة الطالب بضيق شديد، وغاظنى منه أن يستأنف كلامه قائلًا: وفى رواية أخرى ذكرت كلمة (رجل) بدل كلمة (قدم). قلت: تعنون أن نثبت أن لله رجلًا؟ ونعد ذلك من عقائد الإسلام التى نلزم الناس بها؟ قال: نعم، وذاك رأى سلف الأمة..!
قلت: ما أجرأكم على الافتراء! إن سلف الأمة ما تدرى شيئًا عن هذا (الرجل)، ولا سمع داعٍ إلى الإسلام يكلف الناس أن يؤمنوا بها.. أصل القضية وتفصيلها ذكره القرطبى على نحو واضح سليم.. قال فى صحيح مسلم والبخارى والترمذى، عن أنس بن مالك عن النبى «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: « لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها (قدمه) فينزوى بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقًا فيسكنهم فضل الجنة» لفظ مسلم.
وفى رواية أخرى من حديث أبى هريرة: «أما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها (رجله) يقول لها قط قط، فهنالك تمتلئ وينزوى بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا». قال علماؤنا رحمهم الله: أما معنى (القدم) هنا فهم قوم تقدمهم الله إلى النار، وقد سبق فى علمه أنهم من أهل النار، وكذلك (الرجل)، وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم؟ يقال رأيت (رجلًا) من الناس و(رجلًا) من جراد ينزوى بعضها إلى بعض: تنقبض على من فيها، وتشتعل بعذابهم، وتكف عن سؤال: هل من مزيد؟
قال الشاعر:
فمر بنا رجل من الناس وانزوى *** قبائل من لخم وعكل وحمير إليهم من الحى اليمانيين أرجل *** على ابنى نزار بالعداوة أحفل
ويبين هذا المعنى ما روى عن ابن مسعود أنه قال: ما فى النار بيت ولاسلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذى قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد، قال الخزنة: قط قط حسبنا! أى اكتفينا اكتفينا.
وحينئذ تنزوى جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر. فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم؟ ويشهد لهذا التأويل قوله فى نفس الحديث: «ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة». وقد زاد (القرطبى) هذا المعنى بيانًا فى كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله.
وقال النضر بن شميل فى معنى قوله عليه السلام: «حتى يضع الجبار فيها (قدمه)» أى من سبق فى علمه أنه من أهل النار. فأين (القدم) التى يمشى عليها فى هذا السياق المبين؟
إن العقائد لا تخترع ولا تفتعل على هذا النحو المضحك! عقيدة (رجل) لله !! ما هذا ؟ قلت: إن أركان الإيمان تؤخذ من نص قطعى الثبوت أى متواتر، قطعى الدلالة أى لا يحتمل معنى آخر.. وإذا كان الأحناف يرون أن خبر الواحد لا يثبت فريضة فى الفروع العملية، لأن الفرض عندهم يثبت بدليل قطعى لا شبهة فيه، فكيف نتصور نحن إثباته لعقيدة يكفر منكرها؟ ولكن الطالب السلفى قال: إن القرطبى أشعرى المذهب، وإنه أحد المفسرين الجانحين إلى التأويل، وأنه يشبه الرازى والغزالى، وإنهم جميعًا مبتدعة لا يؤخذ الإسلام منهم... وعلمت أن الغلام مملوء بالجهالة، وأنه- مثل غيره من أدعياء السلفية- لا تصلح الأرض معهم ولا بهم».. انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
أقول هكذا داعش ومن قبلهم من الجماعات المتشددة والمتطرفة فهم يأخذون بأحاديث الآحاد فى العقائد، ولذلك يسهل عندهم التكفير والقتل والتفجير. وبالله التوفيق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف