المصريون
د . جمال المنشاوى
ديكتاتورية أردوجان الناجحة ؟!
ها هو رجب طيب أردوجان يعود إلي الأضواء وبقوة, ها هو الفتي الشجاع وهو معني اسمه (أردوجان) يتصدر قائمة التحليلات والأخبار والمقابلات والمداخلات التليفزيونية والمواقع الالكترونية, والحدث هو نتيجة الإستفتاء, والذي قال فيه الشعب التركي نعم بأغلبية 51.2 مقابل 48.8 قالوا لا, وهو الإستفتاء الذي يحول تركيا من جمهورية برلمانية, منصب رئيس الجمهورية فيها شرفي, إلي جمهورية رئاسية يتمتع فيها الرئيس بسلطات واسعة كالنظام الأمريكي والفرنسي, وقبل أن نخوض في نتائج هذا الاستفتاء ولماذا نجح أردوجان في إمرار ما يريد من تعديلات دستوريه تقلب الأمور رأساً علي عقب ولو بنسبة ضئيلة ؟, علينا أن نعود إلي جذور هذا الرجل, وأسباب نجاحه بهذا الشكل المُذهِل.
أردوجان الذي نشأ في أسرة فقيرة وأضطر لبيع البيض والسميط في إستانبول ليغطي نفقات تعليمه, ودرس في مدارس الإمام الدينية, ولعب كرة القدم مع توظيفه في الشركة التي يلعب لها, ودرس الإدارة والاقتصاد في الجامعة وانضم لحزب الرفاه الذي يتزعمه السياسي الإسلامي المخضرم نجم الدين أربكان, وترشح علي قوائمه كمحافظ لإستانبول, وحقق في إدارته لها نجاحاً باهراً, لإحتكاكه وإدراكه لمشاكل الناس من 1994 حتى 1998 , لكنه سُجن وسقطت حقوقه السياسية لإلقائه قصيدة دينية في إحدى الاحتفالات العامة مطلعها (مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. والمصلون جنودنا.. وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا), مما اعتبرته المؤسسة العسكرية المُسيطرة في هذا الوقت جريمة في حق علمانية أتاتورك, فأدرك بعدها أن رفع هذه الشعارات في هذه المرحلة ستؤدي به إلي الصدام مع المؤسسة العسكرية فترك هذا الخطاب العاطفي, وهادنهم بالتصريحات المُطمّئِنة أنه سيعمل علي تحقيق أهداف أتاتورك في إقامة تركيا عصرية ومتقدمة, وأنه لا يريد الاصطدام مع المؤسسة العسكرية, واختلف مع أستاذه أربكان وكوّن حزب (العدالة والتنمية) هو وعبد الله جول وأحمد داود أوغلو الذي يُعتبَر العقلية المُفكِرة والمُنظِر الأساسي لهذه المجموعة, وإسترشدوا برسائل النور لسعيد النورسي المفكر التركي البارز, ودخلوا انتخابات 2002 وفاز الحزب بالأغلبية البرلمانية, وشكّل الوزارة, وتولي أردوجان رئاستها, وعبد الله جول رئاسة الدولة, تسلم الحزب الدولة وهي تعاني معاناة إقتصادية شديدة, حيث كانت الليرة في أضعف حالتها السوقية, وكان الناتج المحلي لا يتعدى 232مليار دولار, ودخل الفرد حوالي 3500 دولار, وإحتياطي البنك المركزي 26 مليار دولار, وإحتياطي الذهب 27.7 مليار دولار, وحجم الدين الخارجي بلغ رقماً قياسياً, ونسبة التضخم 30%, والوضع بهذه الأرقام يُشكل كارثة لحكومة يعلم الجميع أنها تنتهج وتتبني المنهج الإسلامي, فالعيون والأنظار تراقبها, والتربص بها والترقب لفشلها هو المتوقع في نظر المُراقبين, ووجودها كعضو في الناتو وموقعها الجغرافي فرض عليها التزامات لا تستطيع الفكاك منها وسط ضعفها الاقتصادي فهي تحتاج دائماً لمد اليد لطلب المساعدة من الآخرين, ومشاكلها الداخلية كثيرة مع الأكراد بمقاومة مسلحة من حزب العمال, و الأرمن واليونان, فكيف سيدير هؤلاء الإسلاميون هذه المنظومة المُعقدة, اتخذ أردوجان وحزبه سياسة الإنضباط المالي الحكومي , فلا إسراف ولا فساد يُسكَت عنه، بل شفافية تامة في المعاملات المالية, خصخصة الإقتصاد مع فتح الباب علي مصراعيه للمستثمرين الأتراك والأجانب الجادين فارتفع عدد الشركات الاستثمارية الجديدة من 5 آلاف خلال 78 عاماً إلي 40 ألف شركة خلال حكم العدالة والتنمية, مع تسهيل كل إجراءات التسجيل وإزالة عقبات الاستثمار, وكان مهندس هذه السياسة الاقتصادية الناجحة علي بابا جان نائب رئيس مجلس الوزراء, وساهم الاستقرار السياسي وحرية الاختيار وتناغم المنظومة الإدارية واحترام حقوق الإنسان في إزالة الخوف والرهبة عن المستثمرين, كذلك تقليل نقاط الصراع والتوتر داخلياً وخارجيا فتصالح مع الأرمن واليونان وفتح حواراً مع أذربيجان, وسمح للأكراد بتكوين حزب سياسي وجعل الخطبة باللغة الكردية وفتح أبواب الحوار مع حزب العمال, فأغلق أبواباً كانت تستنزف طاقات ذهنية, وموارد مالية, فأثمرت التجربة في خلال 13 عاماً ثمرة طيبة, فانخفضت نسبة التضخم من 30% إلي4%, وأصبح حجم الاستثمارات الخارجية 100مليار دولار, وحجم الصادرات 152 مليار دولار, وارتفع حجم الناتج المحلي من 232 مليار دولار إلي ثلاثة أرباع تريليون دولار, وارتفع دخل الفرد من3500 دولار إلي822 .10 آلاف, وارتفع احتياطي البنك المركزي سنة 2014 إلي 49 مليار دولار بعد أن كان 26 مليار دولار عام 2002 واحتياطي الذهب إلي 135 مليار دولار بعد أن كان 27.7 مليار دولار, وتم تغطية حاجة القوات المسلحة من الأسلحة بنسبة 60%, وتم تصنيع السفينة الحربية الوطنية (ميليغيم), ومروحيات آتاك, وطائرات التعليم (العصفور الأحمر) والدبابة الوطنية ألتاي والطائرة بدون طيار, وصواريخ مضادة للدبابات وحاملة طائرات محلية, ويجري العمل والتخطيط للإكتفاء الذاتي من التصنيع الحربي عام 2023, وهو العام الذي حدده أردوجان لتكون تركيا من الدول الصناعية الكبرى, علاوة علي تصنيع الملابس والمفروشات والأحذية التركية التي غزت العالم, وحققت تركيا أعلي معدل نمو بعد الصين, وبلغت المرتبة 17 اقتصادياً عالمياً, وبلغ جيشها المرتبة 15 كأقوى الجيوش العالمية, كما أتاح هذا النمو المطرد إنشاء شبكة للرعاية الإجتماعية رُصِد لها أعلي ميزانية في البلاد بلغت 16 مليار دولار, تشمل مساعدات وعلاج لغير القادرين ومحدودي الدخل, والأطفال والمُسنين والمُعاقين والطلاب,كما تخلصت البلاد من دين البنك الدولي وصندوق النقد وسددت آخر قسط له عام 2015, وبذلك أصبحت دولة دائنة وليست مدينة, كانت هذه رحلة أردوجان وحزبه العدالة والتنمية في تحويل تركيا لنمرٍ إقتصاديٍ جديد, فماذا فعل حكامنا العرب بشعوبهم؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف